الحَاكِمُ وَالحَكَمُ
صِفةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجَلَّ بالكِتابِ العزيزِ، فيُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه الحاكِمُ والحَكَمُ، و(الحَكَمُ): اسمٌ له ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:1- قولُه تعالى:
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] أي: قُلْ: فليس لي أن أتعَدَّى حُكمَه وأتجاوَزَه؛ لأنَّه لا حَكَمَ أعدَلُ منه، ولا قائِلَ أصدَقُ منهـ)
.
وقال
السَّعْديُّ: (أي: قُلْ يا أيُّها الرَّسولُ
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] أُحاكِمُ إليه، وأتقيَّدُ بأوامِرِه ونواهيه؛ فإنَّ غيرَ اللهِ محكومٌ عليه لا حاكِمٌ، وكُلَّ تدبيرٍ وحُكمٍ للمخلوقِ فإنَّه مُشتَمِلٌ على النَّقصِ والعَيبِ والجَورِ، وإنَّما الذي يجِبُ أن يُتَّخَذَ حاكِمًا فهو اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، الذي له الخَلْقُ والأمرُ)
.
وقال
الشِّنقيطيُّ: (معنى الآيةِ الكريمةِ: أنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه أن يُنكِرَ غايةَ الإنكارِ ابتغاءَ حَكَمٍ غيرِ اللهِ، فلا يُطلَبُ ولا يُبتغى حَكَمٌ إلَّا خالِقُ السَّمَواتِ والأرضِ. وهذه الآيةُ الكريمةُ تُبَيِّنُ لنا أنَّ الحاكِمَ هو خالِقُ هذا الكَونِ، هو الحَكَمُ وَحْدَه جَلَّ وعلا، لا محاكَمةَ إلَّا إليه، فالحَلالُ هو ما أحَلَّه اللهُ، والحَرامُ هو ما حَرَّمه اللهُ، والدِّينُ هو ما شَرَعه اللهُ، لا حَكَمَ إلَّا اللهُ، ولا حُكْمَ إلَّا للهِ -كما قد بَيَّنَّا ذلك مِرارًا- واللهُ جَلَّ وعلا كما يتنَزَّهُ أن يكونَ له وَلَدٌ، ويتنَزَّهُ عن أن يكونَ له شريكٌ، كذلك يتنَزَّهُ عن أن يكونَ حاكِمٌ معه أو مُشرِّعٌ معه، كما في قَولِه في عبادتِه:
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] ، وكما قال في حُكْمِه:
وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 26] فحُكمُه كعبادتِه، العبادةُ له وَحْدَه، والحُكمُ له وَحْدَه جَلَّ وعلا؛ لأنَّ اللهَ هو الذي له الحُكمُ)
.
2- قولُه تعالى:
فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف: 87] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا [الأعراف: 87] ، يَقولُ: فاحتَبِسوا على قَضاءِ اللهِ الفاصِلِ بيننا وبيْنكم
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، يَقولُ: واللهُ خيرُ مَن يَفصِلُ، وأعدَلُ من يقضي؛ لأنَّه لا يقَعُ في حُكمِه مَيلٌ إلى أحَدٍ، ولا محاباةٌ لأحَدٍ. واللهُ أعلَمُ)
.
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ أي: حتى يقضِيَ اللهُ
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ أي: خيرُ القاضِينَ)
.
وقال
الشَّوكانيُّ: (قَولُه:
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ أي: يحكُمَ اللهُ بينه وبينهم في الدُّنيا بالنَّصرِ له عليهم، وفي الآخِرةِ بعَذابِهم بالنَّارِ وهم يُشاهِدونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو وأمَّتَه -المتَّبِعون له، المؤمِنونَ به، والعامِلون بما يأمُرُهم به، المنْتَهون عمَّا ينهاهم عنه- يتقَلَّبون في نعيمِ الجنَّةِ الذي لا يَنفَدُ، ولا يمكِنُ وَصفُه، ولا يُوقَفُ على أدنى مزاياهـ)
.
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:حديثُ
((... إنَّ اللهَ هو الحَكَمُ، وإليه الحُكْمُ ))
.
والحَكَمُ والحاكمُ بمعنًى واحدٍ، إلَّا أنَّ الحَكَمَ أبلَغُ مِن الحاكِمِ
، وهو الَّذي إليه الحُكْمُ، وأصلُ الحُكمِ: مَنْعُ الفَسادِ والظُّلمِ، ونَشْرُ العَدلِ والخيرِ.
قال
الزَّجَّاجُ: (الحَكَم والحاكِمُ بمعنًى واحدٍ، وأصلُ «ح ك م» في الكلامِ المنعُ، وسُمِّيَ الحاكِمُ حاكِمًا؛ لأنَّه يمنَعُ الخَصْمينِ مِن التظالُمِ. وحَكَمةُ الدَّابَّةِ سُمِّيَت حَكَمةً؛ لأنَّها تمنَعُه مِنَ الجِماحِ... اللهُ تعالى هو الحاكِمُ وهو الحَكَمُ بيْن الخَلْقِ؛ لأنَّه الحَكَمُ في الآخِرةِ، ولا حَكَمَ غَيرُه، والحُكَّامُ في الدُّنيا إنَّما يَستفيدونَ الحُكمَ مِن قِبَلِه تعالى عُلُوًّا كبيرًا)
.
وقال
الخَطَّابيُّ: (الحَكَمُ: الحاكِمُ، ومنه المثَلُ: "في بيتِه يُؤتى الحَكَمُ". وحقيقتُه: هو الذي سَلِمَ له الحُكمُ، ورُدَّ إليه فيه الأمرُ. كقَولِه تعالى:
لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88] ، وقَولُه:
أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46] . وقيل للحاكِمِ: حاكِمٌ؛ لِمَنْعِه النَّاسَ عن التَّظالُمِ، ورَدْعِه إيَّاهم. يقالُ: حَكَمْتُ الرَّجُلَ عن الفسادِ: إذا منَعْتَه منه. وكذلك: أحكَمْتُهـ)
.
وقال الحليميُّ: (الحَكَمُ: هو الذي إليه الحُكمُ، وأصلُ الحُكمِ مَنعُ الفَسادِ، وشرائِعُ اللهِ تعالى كُلُّها استصلاحُ العِبادِ)
.
وممَّن أثبَت اسمَ (الحَكَم) للهِ عزَّ وجلَّ:
الخَطَّابيُّ
، و
ابنُ مَنْدَهْ
، و
البيهقيُّ
، و
ابنُ القيِّمِ
، و
ابنُ حَجرٍ
، و
السَّعْديُّ
، و
ابنُ عُثَيمين
.