الموسوعة العقدية

 الجَلَالُ

صفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قولُه تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27].
2- قَولُه: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 78].
قال الزَّجَّاجُ: (ذو الجَلالِ والإكرامِ: الجَلَالةُ والجَلالُ واحِدٌ، وهما مَصدَرُ الجليلِ مِنَ الرِّجالِ، ومعنى ذو الجلالِ: أنَّه المُستَحِقُّ لأن يُجَلَّ ويُكرَمَ) .
وقال الخَطَّابيُّ: (ذو الجَلالِ والإكرامِ: الجَلَالُ: مَصدَرُ الجليلِ. يقال: جَليلٌ بيِّنُ الجلالةِ والجَلالِ. والإكرامُ: مَصدَرُ أكرمَ يُكرِمُ إكرامًا، والمعنى: أنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ مُستَحِقٌّ أن يُجَلَّ ويُكرَمَ فلا يُحجَدَ، ولا يُكفَرَ به، وقد يحتَمِلُ أن يكونَ المعنى أنَّه يُكرِمُ أهلَ ولايتِه، ويَرفَعُ دَرَجاتِهم بالتوفيقِ لطاعتِه في الدُّنيا، ويُجِلُّهم بأن يتقَبَّلَ أعمالَهم، ويرفَعَ في الجِنانِ دَرَجاتِهم، وقد يحتَمِلُ أن يكونَ أحدُ الأمرَيِن -وهو الجَلالُ- مُضافًا إلى اللهِ سُبحانَه بمعنى الصِّفةِ له، والآخَرُ مُضافًا إلى العَبدِ بمعنى الفِعلِ منه، كقَولِه سُبحانَه: هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر: 56] ، فانصرف أحَدُ الأمرَينِ -وهو المغفِرةُ- إلى اللهِ سُبحانَه، والآخَرُ إلى العبادِ، وهو التَّقوى. واللهُ أعلَمُ) .
وقال الحليميُّ: (ذو الجَلالِ والإكرامِ: معناه المستَحِقُّ بأن يُهابَ لسُلطانِه، ويُثنى عليه بما يَليقُ بعُلُوِّ شأنِه. وهذا قد يدخُلُ في بابِ الإثباتِ على معنى: أنَّ للخَلْقِ رَبًّا يستَحِقُّ عليهم الجلالَ والإكرامَ، ويدخُلُ في بابِ التوحيدِ على معنى: أنَّ هذا الحَقَّ ليس إلَّا لمُستحِقٍّ واحِدٍ) .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أي: الكِبْرياءِ والعَظَمةِ. وأمَّا الإكرامُ: هو ما أكرمَ أولياءَه وأصفياءَهـ) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (نَعَت تعالى وَجْهَه الكريمَ في هذه الآيةِ الكريمةِ بأنَّه ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أي: هو أهلٌ أن يُجَلَّ فلا يُعصى، وأن يطاعَ فلا يُخالَفَ، كقَولِه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: 28] ، وكقَولِه إخبارًا عن المتصَدِّقينَ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: 9] . قال ابنُ عبَّاسٍ: ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ذو العَظَمةِ والكِبرياءِ) .
وقال السَّعْديُّ: (ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أي: ذو العَظَمةِ والكبرياءِ والمجْدِ، الذي يُعَظَّمُ ويُبَجَّلُ ويُجَلُّ لأجْلِه، والإكرامُ الذي هو سَعَةُ الفَضْلِ والجُودِ، والدَّاعي لأن يُكرِمَ أولياءَه وخواصَّ خَلْقِه بأنواعِ الإكرامِ، الذي يُكرِمُه أولياؤُه ويُجِلُّونَه، ويُعَظِّمونَه ويُحِبُّونَه، ويُنيبون إليه ويَعبُدونَهـ) .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
1- حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا أنَّ اللهَ سُبحانَه يَقُولُ يومَ القيامَةِ: ((... وعزَّتي وجَلالي وكِبريائي وعظَمَتي، لأُخرِجَنَّ منها مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ )) .
2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ تعالى يَقولُ يومَ القيامةِ: أينَ المُتحابُّونَ بجَلالي؟ اليومَ أُظِلُّهم في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي )) .
قال الأزهريُّ: (الجليلُ مِن صِفاتِ اللهِ، وقد يُوصَفُ به الأمرُ العظيمُ، والرَّجُلُ ذو القَدْرِ الخطيرِ) .
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (معنى قَولِه فيه -واللهُ أعلَمُ-: أين المتحابُّونَ لجلالي؟ أين المتحابُّونَ إجلالًا لي ومحبةً فيَّ؟ فمِن إجلالِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ إجلالُ أولياءِ اللهِ ومحبَّتُهم) .
وقال البَيهقيُّ: (الجليلُ: هو مِن الجَلالِ والعَظَمةِ، ومعناه ينصَرِفُ إلى جَلالِ القُدرةِ وعِظَمِ الشَّأنِ، فهو الجَليلُ الذي يَصغُرُ دونَه كُلُّ جليلٍ، ويتَّضِعُ معه كُلُّ رفيعٍ، وهذه صِفةٌ يَستَحِقُّها بذاتِهـ) .
وقال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: («لجَلالي» رُوِي باللَّامِ وبالباءِ، ومعناهما مُتقارِبٌ؛ لأنَّ المقصودَ بهما هنا: السَّبَبيَّةُ، أي: لعظيمِ حَقِّي وحُرمةِ طاعتي، لا لغَرَضٍ من أغراضِ الدُّنيا) .
وقال النَّوويُّ: (قَولُه تعالى: ((المتحابُّون بجلالي)) أي: بعَظَمتي وطاعتي لا للدُّنيا) .
قال ابنُ القيِّمِ:
(وَهُوَ الجَلِيلُ فَكُلُّ أوْصَافِ الجَلَا            لِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ بِلَا بُطْلَانِ) .
قال محمد خليل هرَّاس: (وأوصافُ الجَلالِ الثَّابتةُ له سُبحانَه -مِثلُ: العِزَّةِ، والقَهرِ، والكِبْرياءِ، والعَظَمةِ، والسَّعةِ والمَجْدِ- كلُّها ثابتةٌ له على التَّحقيقِ، لا يفُوتُه منها شيءٌ) .
و(الجليلُ) ليس مِن أسمائِه تعالى.
قال ابنُ عُثَيمين: (يُوصَفُ بأنَّه الجليلُ، ولا يُسَمَّى به إلَّا إذا ثبت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مِن أسماءِ اللهِ الجليلَ) .  

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 62).
  2. (2) يُنظر: ((شأن الدعاء)) (1/ 91).
  3. (3) يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 210).
  4. (4) يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 328).
  5. (5) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 494).
  6. (6) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 830).
  7. (7) أخرجه البخاري (7510).
  8. (8) أخرجه مسلم (2566).
  9. (9) يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (10/ 261).
  10. (10) يُنظر: ((التمهيد)) (17/ 429).
  11. (11) يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 62).
  12. (12) يُنظر: ((المفهم)) (6/ 541).
  13. (13) يُنظر: ((شرح مسلم)) (16/ 123).
  14. (14) يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 706).
  15. (15) يُنظر: ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 69).
  16. (16) يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) (3/ 276).