الموسوعة العقدية

 الجَمَالُ

صفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، مِن اسمِه (الجميلِ)، الثَّابتِ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:
حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ )) [1837] أخرجه مسلم (91). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (قَولُه: ((إنَّ اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجمالَ)): الجَمالُ لغةً: هو الحُسنُ؛ يقال: جَمُل الرَّجُلُ يَجمُلُ بالضَّمِّ، جمالًا؛ فهو جميلٌ، والمرأةُ جميلةٌ، ويقالُ: جَملاءُ، عن الكِسائيِّ.
وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ الجميلَ مِن أسماءِ اللهِ تعالى، وقال بذلك جماعةٌ مِن أهلِ العِلمِ، إلَّا أنَّهم اختَلَفوا في معناه: فقيل: معناه معنى الجليلِ. قاله القُشيريُّ.
وقيل: معناه ذو النُّورِ والبَهجةِ، أي: مالِكُهما. قاله الخطَّابيُّ. وقيل: جميلُ الأفعالِ بكم، والنَّظَرِ إليكم؛ فهو يُحِبُّ التجَمُّلَ منكم في قِلَّةِ إظهارِ الحاجةِ إلى غيرِه. قاله الصَّيرفيُّ. وقال: الجَميلُ: المنَزَّهُ عن النَّقائِصِ، الموصوفُ بصِفاتِ الكَمالِ، الآمِرُ بالتجَمُّلِ له بنظافةِ الثِّيابِ والأبدانِ، والنَّزاهةِ عن الرَّذائِلِ والطُّغيانِ) [1838] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 288). .
وقال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجمالَ)) اختَلَفوا في معناه؛ فقيل: إنَّ معناه أنَّ كُلُّ أمْرِه سُبحانَه وتعالى حَسَنٌ جميلٌ، وله الأسماءُ الحُسنى، وصِفاتُ الجَمالِ والكَمالِ. وقيل: جميلٌ بمعنى مُجمِلٍ، ككريمٍ وسميعٍ، بمعنى مُكرِمٍ ومُسمِعٍ... وقيل: معناه: جميلُ الأفعالِ بكم باللُّطفِ والنَّظَرِ إليكم، يُكَلِّفُكم اليسيرَ مِن العَمَلِ ويُعينُ عليه، ويثيبُ عليه الجزيلَ ويَشكُرُ عليه) [1839] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 90). .
وقال المبارَكفوريُّ: ( ((إنَّ اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجمالَ)) أي: حَسَنُ الأفعالِ كامِلُ الأوصافِ. وقيل: أي: مُجمِلٌ. وقيل: جليلٌ. وقيل: مالِكُ النُّورِ والبهجةِ. وقيل: جميلُ الأفعالِ بكم والنَّظَرِ إليكم، يُكَلِّفُكم اليسيرَ مِن العَمَلِ ويُعينُ عليه، ويثيبُ عليه الجزيلَ ويَشكُرُ عليه. وقال المناويُّ: إنَّ اللهَ جميلٌ، أي: له الجَمالُ المُطلَقُ؛ جمالُ الذَّاتِ، وجمالُ الصِّفاتِ، وجمالُ الأفعالِ، يحِبُّ الجَمالَ، أي: التجَمُّلَ منكم في الهيئةِ، أو في قِلَّةِ إظهارِ الحاجةِ لغيرِه، والعفافِ عن سِواه. انتهى) [1840] يُنظر: ((تحفة الأحوذي)) (6/ 116). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (ثَبَت بالعَقلِ الصَّريحِ والنَّقلِ الصَّحيحِ ثُبوتُ صِفاتِ الكمالِ للرَّبِّ سُبحانَه، وأنَّه أحَقُّ بالكمالِ من كُلِّ ما سِواه، وأنَّه يجِبُ أن تكونَ القُوُّةُ كُلُّها له، والعِزُّةُ كُلُّها له، والعِلمُ كُلُّه له، والقُدرةُ كُلُّها له، والجمالُ كُلُّه له، وكذلك سائِرُ صِفاتِ الكَمالِ) [1841] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (3/ 1080). .
وقال ابنُ القيِّمِ:
(وَهُوَ الجَمِيلُ عَلَى الحَقِيقَةِ كَيْفَ لَا          وَجَمَالُ سَائِرِ هَذِهِ الأَكْوَانِ
مِنْ بَعْضِ آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّهَا                أَوْلَى وَأَجْدَرُ عِنْدَ ذِي العِرْفَانِ
فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ وَالأَوْصَافِ وَالْـ              أَفْعَالِ وَالأَسْمَاءِ بِالبُرْهَانِ
لا شَيْءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وَصِفاتهِ                 سُبحانَهُ عَنْ إِفْكِ ذِي البُهْتَانِ) [1842] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 706). .
وقال محمد خليل هرَّاس في شرحِ هذه الأبياتِ: (أمَّا الجميلُ فهو اسمٌ له سُبحانَه، مِن الجمالِ، وهو الحُسنُ الكثيرُ، والثَّابتُ له سُبحانَه مِن هذا الوصفِ هو الجَمالُ المُطلَقُ، الَّذي هو الجمالُ على الحقيقةِ؛ فإنَّ جمالَ هذه الموجوداتِ -على كثرةِ ألوانِه وتعدُّدِ فنونِه- هو مِن بعضِ آثارِ جمالِه، فيكونُ هو سُبحانَه أَوْلى بذلك الوصفِ مِن كُلِّ جميلٍ؛ فإنَّ واهبَ الجَمالِ للموجوداتِ لا بدَّ أن يكونَ بالغًا مِن هذا الوصفِ أعلى الغاياتِ، وهو سُبحانَه الجميلُ بذاتِه وأسمائِه وصِفاته وأفعالِه.
أمَّا جمالُ الذَّاتِ، فهو ما لا يُمكِنُ لمخلوقٍ أن يُعبِّرَ عن شيءٍ منه، أو يبلُغَ بعضَ كُنْهِه، وحسبُك أنَّ أهلَ الجنَّةِ مع ما هم فيه مِن النَّعيمِ المُقيمِ، وأفانِينِ اللَّذَّاتِ والسُّرورِ الَّتي لا يُقادَرُ قدرُها، إذا رأَوْا ربَّهم، وتمتَّعوا بجَمالِه، نسُوا كُلَّ ما هم فيه، واضمَحَلَّ عندهم هذا النَّعيمُ، ووَدُّوا لو تدومُ لهم هذه الحالُ، ولم يكُنْ شيءٌ أحَبَّ إليهم مِن الاستغراقِ في شُهودِ هذا الجَمالِ، واكتسَبوا مِن جَمالِه ونورِه سُبحانَه جَمالًا إلى جَمالِهم، وبقُوا في شوقٍ دائمٍ إلى رؤيتِه، حتَّى إنَّهم يفرَحونَ بيومِ المَزيدِ فرَحًا تكادُ تطيرُ له القلوبُ.
وأمَّا جَمالُ الأسماءِ فإنَّها كلَّها حُسنَى، بل هي أحسَنُ الأسماءِ وأجمَلُها على الإطلاقِ؛ فكلُّها دالةٌ على كمالِ الحَمْدِ والمَجْدِ والجمَالِ والجَلالِ، ليس فيها أبدًا ما ليس بحسَنٍ ولا جميلٍ.
وأمَّا جَمالُ الصِّفاتِ فإنَّ صِفاتِه كلَّها صِفاتُ كمالٍ ومَجْدٍ، ونُعوتُ ثناءٍ وحَمْدٍ، بل هي أوسعُ الصِّفاتِ وأعَمُّها، وأكمَلُها آثارًا وتعلُّقاتٍ، لا سيَّما صِفاتِ الرَّحمةِ، والبِرِّ، والكرَمِ، والجُودِ، والإحسانِ، والإنعامِ.
وأمَّا جَمالُ الأفعالِ فإنَّها دائرةٌ بيْن أفعالِ البِرِّ والإحسانِ، الَّتي يُحمَدُ عليها ويُشكَرُ، وبين أفعالِ العَدْلِ، الَّتي يُحمَدُ عليها؛ لموافقتِها للحكمةِ والحَمْدِ؛ فليس في أفعالِه عَبَثٌ ولا سَفَهٌ ولا جَوْرٌ ولا ظلمٌ، بل كلُّها خيرٌ ورحمةٌ ورُشدٌ وهُدًى وعَدْلٌ وحِكمةٌ؛ قال تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56] ، ولأنَّ كمالَ الأفعالِ تابعٌ لكمالِ الذَّاتِ والصِّفاتِ، فإنَّ الأفعالَ أثَرُ الصِّفاتِ، وصِفاتهُ -كما قُلْنا- أكمَلُ الصِّفاتِ؛ فلا غَرْوَ أن تكونَ أفعالُه أكمَلَ الأفعالِ) [1843] يُنظر: ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 69). .
وقال أبو القاسمِ الأصبهانيُّ: (قال بعضُ أهلِ النَّظرِ...: لا يجوزُ أن يوصَفَ اللهُ بـالجميلِ. ولا وجهَ لإنكارِ هذا الاسمِ أيضًا؛ لأنَّه إذا صحَّ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلا معنَى للمُعارضةِ، وقد صحَّ أنَّه قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ))، فالوجهُ إنَّما هو التَّسليمُ والإيمانُ) [1844] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 489). .
وبَوَّبَ ابنُ المُحِبِّ الصَّامِت في كِتابه (صِفات رَبِّ العالَمينَ) [1845] يُنظر: (1/363). بابَ: جمالُ اللهِ.
وممَّن أَثبَتَ اسمَ (الْجَمِيل) للهِ عزَّ وجلَّ: الخَطابيُّ [1846] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 102). ، وابنُ مَندَه [1847] يُنظر: ((التوحيد)) (2/99). ، والبيهقيُّ [1848] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (1/114). ، وابنُ حَزمٍ [1849] يُنظر: ((المحلى)) (8/ 31). ، وقوَّامُ السُّنَّة الأصبهانيُّ [1850] كما تقدم. ، وابنُ العربيِّ [1851] يُنظر: ((الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى)) (1/412). ، وابنُ القيِّم [1852] تقدَّم قبل قليلٍ في الأبياتِ السَّابقةِ. ، وابنُ عُثَيمين [1853] يُنظر: ((القواعِد المُثْلَى)) (ص: 16). .

انظر أيضا: