الموسوعة العقدية

 التَّشْرِيعُ

صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، مِن خصائصِ رُبوبيَّتِه، مَن نازَعه فيها فقد كفَرَ، واللهُ هو (الشَّارعُ)، وهو (المُشَرِّعُ)، وليسا مِن أسمائِه سُبحانَه.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
قولُه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ... الآيةَ [الشورى: 13] .
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أي: بيَّن لكم من الدِّينِ، والشَّرعُ هو البَيانُ، ويقالُ: أظهَرَ لكم وأمَرَكم) [1765] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 67). .
وقال البَغَويُّ: (قَولُه عَزَّ وجَلَّ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ بيَّن لكم وسَنَّ لكم) [1766] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 141). .
وقال الشَّوكاني: (الخِطابُ في قَولِه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: بيَّن وأوضَحَ لكم من الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا من التوحيدِ ودينِ الإسلامِ وأُصولِ الشَّرائعِ التي لم يختَلِفْ فيها الرُّسُلُ، وتوافَقَت عليها الكُتُبُ) [1767] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/ 607). .
الدَّليلُ من الأثَر:
عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يلقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحافِظْ على هؤلاء الصَّلَواتِ حيثُ يُنادَى بهنَّ؛ فإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهُدَى ...) [1768] أخرجه مسلم (1046). .
وقد كثُرَ في أقوالِ العُلَماء إضافةُ التَّشريعِ للهِ سُبحانَه وتعالى، ومِن ذلك:
 1- قَولُ الشَّاطبيِّ: (الشَّارِعُ وَضَع الشَّرائِعَ وألزمَ الخَلْقَ الجَرْيَ على سَنَنِها، وصار هو المنفَرِدَ بذلك؛ لأنَّه حَكَم بيْن الخَلْقِ فيما كانوا فيه يختَلِفونَ، وإلَّا فلو كان التَّشريعُ مِن مُدرَكاتِ الخَلْقِ لم تُنزَلِ الشَّرائعُ، ولم يَبْقَ الخِلافُ بيْن النَّاسِ، ولا احتِيجَ إلى بَعثِ الرُّسُلِ عليهم السَّلامُ، فهذا الذي ابتَدَع في دينِ اللهِ قد صَيَّرَ نَفْسَه نظيرًا ومضاهيًا؛ حيث شَرَع مع الشَّارعِ، وفَتَح للاختِلافِ بابًا، ورَدَّ قَصْدَ الشَّارعِ في الانفرادِ بالتَّشريعِ، وكفى بذلك شَرًّا) [1769] يُنظر: ((الاعتصام)) (1/ 68). .
2- قَولُ الدهلويِّ في كَلامِه على قَولِه تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116] : (المقصودُ النَّهيُ عن الاستِبدادِ والافتِياتِ في التَّحليلِ والتحريمِ، والإباحةِ والمَنْعِ، اعتمادًا على الأهواءِ والأعرافِ، والتقاليدِ والعاداتِ؛ فإنَّ هذا من التَّشريعِ في الدِّينِ، والتَّشريعُ مِن حَقِّ اللهِ سُبحانَه وَحْدَه) [1770] يُنظر: ((رسالة التوحيد)) (ص: 153). .
3- قولُ مُحمَّدٍ الأمينِ الشِّنقيطيِّ: (العجَبُ ممَّن يحكِّمُ غيرَ تشريعِ اللهِ، ثمَّ يدَّعي الإسلامَ!) [1771] يُنظر: ((أضواء البيان)) (3/ 41). .
وقولُه أيضًا: (بهذه النُّصوصِ السَّماويةِ الَّتي ذكَرْنا يظهَرُ غايةَ الظُّهورِ: أنَّ الَّذينَ يتَّبِعونَ القوانينَ الوضعيَّةَ الَّتي شرَعها الشَّيطانُ على ألسِنةِ أوليائِه مخالِفةً لِما شرَعه اللهُ جلَّ وعلا على ألسِنَةِ رُسلِه صلَّى اللهُ عليهم وسلَّمَ؛ أنَّه لا يَشُكُّ في كُفرِهم وشِرْكِهم إلَّا مَن طمَسَ اللهُ بصيرتَه، وأعماه عن نُورِ الوَحْيِ مِثْلَهم) [1772] يُنظر: ((أضواء البيان)) (3/ 259). .
وقَولُه: (لَمَّا كان التَّشريعُ وجميعُ الأحكامِ -شرعيَّةً كانت أو كَوْنيَّةً قدَريَّةً- مِن خصائصِ الرُّبوبيَّةِ، كمَّا دلَّت عليه الآياتُ المذكورةُ: كان كُلُّ مَن اتَّبَع تشريعًا غيرَ تشريعِ اللهِ قد اتَّخَذ ذلك المُشرِّعَ ربًّا، وأشرَكَه مع اللهِ) [1773] يُنظر: ((أضواء البيان)) (7/ 53). .
وقَولُه: (اعلَموا أيُّها الإخوانُ: أنَّ الإشراكَ باللهِ في حُكمِه، والإشراكَ به في عبادتِه كِلاهما بمعنًى واحدٍ، لا فَرْقَ بينهما ألبتَّةَ؛ فالَّذي يتَّبِعُ نظامًا غيرَ نظامِ اللهِ، وتشريعًا غيرَ ما شرَّعه اللهُ وقانونًا مخالِفًا لشرعِ اللهِ مِن وَضْعِ البشَرِ، مُعْرِضًا عن نورِ السَّماءِ الَّذي أنزَله اللهُ على لسانِ رسولِه، مَن كان يفعَلُ هذا، هو ومَن كان يعبُدُ الصَّنمَ ويسجُدُ للوثَنِ، لا فَرْقَ بينهما ألبتَّةَ بوجهٍ مِن الوجوهِ، فهما واحدٌ، فكلاهما مُشرِكٌ باللهِ، هذا أشرَكَ به في عبادتِه، وهذا أشرَكَ به في حُكمِه، كِلاهما سواءٌ) [1774] يُنظر: ((العذب النمير)) (5/441). .
4- قولُ اللَّجنةِ الدَّائمةِ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ: (الشِّركُ الأكبرُ: أن يجعَلَ الإنسانُ للهِ نِدًّا؛ إمَّا في أسمائِه وصِفاته ... وإمَّا أن يجعَلَ له نِدًّا في العبادةِ... وإمَّا أن يجعَلَ للهِ نِدًّا في التَّشريعِ بأن يتَّخِذَ مُشرِّعًا له سوى اللهِ، أو شريكًا للهِ في التَّشريعِ يرتضي حُكمَه ويَدِينُ به في التَّحليلِ والتَّحريمِ؛ عبادةً وتقرُّبًا، وقضاءً وفصلًا في الخصوماتِ، أو يَستحِلُّه وإنْ لم يُرِدْهُ دِينًا) [1775] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (1/746). .
كما كثُرَ إطلاقُهم لكلمةِ (الشَّارعِ) و(المُشَرِّعِ) على اللهِ عزَّ وجلَّ مِن بابِ الصِّفةِ.
وانظُرْ صِفاتِ: (الإيجابِ والتَّحريمِ والتَّحليلِ).

انظر أيضا: