الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الثَّاني عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ يُستعاذُ بها، ويُحلَفُ بها

الحلف أو الاستعاذة بصفة من صفات الله عز وجل هو كالحلف أو الاستعاذة بالله تعالى
قال البُخاريُّ في صَحِيحِه في كتابِ الأَيْمانِ والنُّذورِ: (بابٌ: الحَلِفُ بعزَّةِ اللهِ وصِفاتِه وكلِماتِه، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ: ((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ)) ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا)) ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ)) ، وَقَالَ أَيُّوبُ: ((وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ )) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )) .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (الحَلِفُ بصِفاتِ اللهِ سُبحانَه كالحَلِفِ به، كما لو قال: وعِزَّةِ اللهِ، أو: لَعَمْرُ اللهِ، أو: والقُرآنِ العَظيمِ؛ فإنَّه قد ثبت جوازُ الحَلِفِ بهذه الصِّفاتِ ونَحوِها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةِ، ولأنَّ الحَلِفَ بصِفاتِه كالاستِعاذةِ بها، وإن كانت الاستِعاذةُ لا تكونُ إلَّا باللهِ وصِفاتِه في مِثلِ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعوذُ بوَجْهِك )) ، و((أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ )) ، و((أعوذُ برِضاك مِن سَخَطِك)) ، ونحوِ ذلك. وهذا أمرٌ مُقَرَّرٌ عند العُلَماءِ) .
وقال ابنُ باز: (إذا حَلَف بالمُصحَفِ قَصْدُه القُرآنُ كلامُ اللهِ، فلا بأسَ؛ لأنَّ القُرآنَ كلامُ اللهِ، فإذا قال: وعِزَّةِ اللهِ، أو: كلامِ اللهِ، أو: بالمصحَفِ، وقَصْدُه القُرآنُ؛ لأنَّه كُلُّه كَلامُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، فهذه يمينٌ لا بأسَ بها، ولا حَرَجَ في ذلك، والحَمدُ لله. مِثلُ لو قال: وعِزَّةِ اللهِ، وعِلمِ اللهِ، وكلامِ اللهِ، لا بَأْسَ أن يَحلِفَ بصِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه، كما لو قال: والرَّحمنِ، والرَّحيمِ، والعَليمِ، والعَزيزِ، والحَكيمِ، وهكذا لو قال: وعِزَّةِ اللهِ، ورَحمةِ اللهِ، وعِلمِ اللهِ، وكَلامِ اللهِ- فلا بَأْسَ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الاستِعاذةُ بصِفةٍ، ككَلامِه، وعَظَمتِه، وعِزَّتِه، ونحوِ ذلك. ودليلُ ذلك قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَق ))، وقَولُه: ((أعوذُ بعَظَمتِك أن أُغتالَ من تحتي )) ، وقولُه في دُعاءِ الألَمِ: ((أعوذُ بعِزَّةِ اللهِ وقُدرتِه مِن شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ )) ، وقَولُه: ((أعوذُ برِضاك مِن سَخَطِك))، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين نَزَل قَولُه تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام: 65] فقال: ((أعوذُ بوَجْهِك )) .
وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (الصَّحيحُ أنَّ الحَلِفَ بصِفاتِ اللهِ جائِزٌ ومُنعَقِدٌ، أمَّا الحَلِفُ بآياتِ اللهِ ففيه تفصيلٌ؛ إن كان مرادُ الحالِفِ بآياتِ اللهِ الكونيَّةَ، فهذا لا يجوزُ ولا يَنعَقِدُ به اليَمينُ، مِثلُ أن يَقولَ: والشَّمسِ، والقَمَرِ، واللَّيلِ، والنَّهارِ، فهذا كُلُّه حرامٌ، مع أنَّها مِن آياتِ اللهِ، لكِنْ لكَونِها من آياتِ اللهِ الكَونيَّةِ حُرِّمَ على الإنسانِ الحَلِفُ بها، أمَّا إذا كانت من آياتِ اللهِ الشَّرعيَّةِ، كالقُرآنِ -فالقُرآنُ صِفةٌ مِن صِفاتِ اللهِ؛ لأنَّه كلامُ اللهِ- فيَجوزُ الحَلِفُ بذلك) .
وقال بكر أبو زيد: (قاعِدةُ الشَّريعةِ المطَّرِدةُ: أنَّه لا يجوزُ الحَلِفُ والقَسَمُ إلَّا باللهِ تعالى، أو باسمٍ من أسمائِه، أو صفةٍ مِن صِفاتِه سُبحانَه؛ لأنَّ الحَلِفَ يقتضي التَّعظيمَ الذي لا يُشارِكُه فيه أحدٌ، وهذا لا يُصرَفُ إلَّا للهِ تعالى؛ ولهذا كان الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى من المخلوقينَ كافَّةً- شِركًا باللهِ... إذا عُلِمَ هذا فإنَّ الحَلِفَ بالمُصحَفِ أو بلَفظِ: "والقُرآنِ الكريمِ" هو حَلِفٌ بصِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه؛ إذ القُرآنُ مُشتَمِلٌ على كلامِ اللهِ، وكلامُ اللهِ مِن صِفاتِه، فصار كما لو قال الحالِفُ: "وكلامِ اللهِ"، فهذا حَلِفٌ جائِزٌ، وقد أقام هذا أهلُ السُّنَّةِ على أهلِ البِدعةِ مَقامَ الحُجَّةِ عليهم في قَولِهم الباطِلِ بخَلْقِ القُرآنِ. ولا يُشكِلُ عليك أنَّ الحالِفَ بالمُصحَفِ قد يريدُ الحَلِفَ بالوَرَقِ والجِلْدِ؛ لأنَّ المصحَفَ الكريمَ لا يُسَمَّى مُصحَفًا إلَّا بما فيه مِن كلامِ اللهِ المجيدِ.
واعلَمْ أيضًا: أنَّ الحَلِفَ بآياتِ اللهِ الجائِزَ، هو الحَلِفُ بآياتِ اللهِ الشَّرعيَّةِ؛ القُرآنِ الكريمِ، أمَّا الحَلِفُ بآياتِ اللهِ الكونيَّةِ القَدَريَّةِ -وهي مخلوقاتُه مِن إنسٍ وجِنٍّ- فلا يجوزُ قَولًا واحِدًا) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/229) (35/273)، ويُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (1/185). وفَرَّق بعضُهم بين الحلِفِ بالصِّفةِ الفِعليَّة والصِّفةِ الذاتِيَّة، وقالوا: لا يجوزُ الحلِفُ بصِفاتِ الفِعْلِ.
  2. (2) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (6661)، وأخرجه موصولاً (7383)، ومسلم (2717) مطولاً.
  3. (3) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (6661)، وأخرجه موصولاً (6573)، ومسلم (182) مطولاً.
  4. (4) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (6661)، وأخرجه موصولاً (7438)، ومسلم (183) مطولاً.
  5. (5) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (6661)، وأخرجه موصولاً (279) مطولاً
  6. (6) يُنظر: ((صحيح البخاري)) (8/ 134).
  7. (7) أخرجه مسلمٌ (486).
  8. (8) أخرجه البخاري (4628) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما.
  9. (9) أخرجه مسلم (2708) من حديثِ خَولةَ بنتِ حكيمٍ السُّلَميَّةِ رَضِيَ اللهُ عنها.
  10. (10) أخرجه مسلم (486) من حديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
  11. (11) يُنظر: ((القواعد النورانية)) (ص: 334).
  12. (12) يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (4/ 65).
  13. (13) أخرجه مطولاً أبو داود (5074)، والنسائي (5529)، وأحمد (4785) واللَّفظُ لهم، وابن ماجه (3871) باختلافٍ يسيرٍ مِن حديث عبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. صَحَّحه ابنُ حِبان في ((صحيحهـ)) (961)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5074)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (780)، وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/381): حسن غريب، وصحح إسناده الحاكمُ في ((المستدرك)) (1902)، والنووي في ((الأذكار)) (111)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/11)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (4785).
  14. (14) أخرجه مسلم (2202) من حديثِ عُثمانَ بنِ أبي العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظ: ((أعوذُ باللهِ وقُدرتِه مِن شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ )).
  15. (15) أخرجه البخاري (4628) من حديثِ جابرِ بنِ عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما.
  16. (16) يُنظر: ((شرح ثلاثة الأصول)) (ص: 64).
  17. (17) يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (6/ 105).
  18. (18) يُنظر: ((معجم المناهي اللفظية)) (ص: 546).