الموسوعة العقدية

الفَرْعُ السَّادِسُ: حُكمُ تَفضيلِ بَعضِ أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه على بَعضٍ

قال ابنُ تَيميَّةَ: (كما أنَّ أسماءَه وصِفاتِه مُتنوِّعةٌ، فهي أيضًا متفاضِلةٌ، كما دلَّ على ذلك الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ مع العَقلِ) [1156] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (17/212). .
فأسماءُ الله تعالى بعضُها أفضلُ من بعضٍ.
وأسماؤُه سُبحانَه مُتضَمِّنةٌ لصِفاتِه؛ لذا تتفاضَلُ صِفاتُ اللهِ فيما بينها كذلك، فصِفةُ الرَّحمةِ مَثَلًا تَفضُلُ على صِفةِ الغَضَبِ، كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الله كَتَبَ علَى نَفْسه: ((إنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبِي)) [1157] أخرجه البخاري (7404)، ومسلم (2751) واللَّفظُ له. .
وفي روايةٍ: ((إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي )) [1158] أخرجها البخاري (7422) واللَّفظُ له، ومسلم (2751) من حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال ابنُ القَيِّمِ: (صِفةُ الحياةِ مُتضَمِّنةٌ لجَميعِ صِفاتِ الكَمالِ، مُستَلزِمةٌ لها، وصِفةُ القَيوميَّةِ مُتضَمِّنةٌ لجميعِ صِفاتِ الأفعالِ؛ ولهذا كان اسمُ اللهِ الأعظَمُ الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى: هو اسمُ الحَيِّ القَيُّومِ) [1159] يُنظر: ((زاد المعاد)) (4/ 187). .
قال السَّعْديُّ: (بعضُ النَّاسِ يَظُنُّ أنَّ الاسمَ الأعظَمَ مِن أسْماءِ اللهِ الحُسْنى اسمٌ لا يَعرِفُه إلَّا من خَصَّه اللهُ بكرامةٍ خارقةٍ للعادةِ، وهذا ظَنٌّ خَطَأٌ؛ فإنَّ اللهَ تبارك وتعالى حَثَّنا على مَعرِفةِ أسمائِه وصِفاتِه، وأثنى على من عَرَفَها، وتفَقَّه فيها، ودعا اللهَ بها دعاءَ عِبادةٍ وتعَبُّدٍ، ودُعاءَ مسألةٍ، ولا رَيبَ أنَّ الاسمَ الأعظَمَ منها أَوْلاها بهذا الأمرِ؛ فإنَّه تعالى هو الجَوَادُ المُطلَقُ الذي لا مُنتهى لجُودِه وكَرَمِه، وهو يُحِبُّ الجُودَ على عِبادِه، ومن أعظَمِ ما جاد به عليهم تَعَرُّفُه لهم بأسمائِه الحُسْنى وصِفاته العُليا؛ فالصَّوابُ أنَّ الأسماءَ الحُسْنى كُلُّها حُسْنى، وكُلُّ واحدٍ منها عظيمٌ، ولكِنَّ الاسمَ الأعظَمَ منها كُلُّ اسمٍ مُفرَدٍ أو مَقرونٍ مع غيرِه إذا دَلَّ على جميعِ صِفاتِه الذَّاتيَّةِ والفِعليَّةِ، أو دَلَّ على معاني جميعِ الصِّفاتِ؛ مِثلُ: اللهِ؛ فإنَّه الاسمُ الجامِعُ لمعاني الأُلوهيَّةِ كُلِّها، وهي جميعُ أوصافِ الكَمالِ.
ومِثلُ: الحَميدِ المَجيدِ؛ فإنَّ الحَميدَ: الاسمُ الذي دَلَّ على جميعِ المحامِدِ والكَمالاتِ للهِ تعالى، والمَجِيدَ: الذي دَلَّ على أوصافِ العَظَمةِ والجَلالِ، ويَقرُبُ من ذلك الجَليلُ الجميلُ الغَنِيُّ الكريمُ.
ومِثلُ: الحَيِّ القَيُّومِ؛ فإنَّ الحَيَّ مَن له الحياةُ الكامِلةُ العظيمةُ الجامِعةُ لجميعِ معاني الذَّاتِ، والقَيُّومَ: الذي قام بنَفْسِه واستغنى عن جميعِ خَلْقِه، وقام بجَميعِ الموجوداتِ؛ فهو الاسمُ الذي تدخُلُ فيه صِفاتُ الأفعالِ كُلُّها.
ومِثلُ: اسمِه العَظيمِ الكبيرِ الذي له جميعُ معاني العَظَمةِ والكبرياءِ في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه، وله جميعُ معاني التَّعظيمِ مِن خواصِّ خَلْقِه. ومِثلُ: قَولِك: يا ذا الجَلالِ والإكرامِ؛ فإنَّ الجَلالَ صِفاتُ العَظَمةِ والكبرياءِ والكَمالاتِ المتنَوِّعةِ. والإكرامَ: استِحقاقُه على عبادِه غايةَ الحُبِّ وغايةَ الذُّلِّ، وما أشبَهَ ذلك. فعُلِمَ بذلك أنَّ الاسمَ الأعظمَ اسمُ جِنسٍ، وهذا هو الذي تدُلُّ عليه الأدِلَّةُ الشَّرعيَّةُ والاشتِقاقُ [1160] يُنظر: ((مجموع الفوائد واقتناص الأوابد)) (ص: 250). .
كما أنَّ الصِّفةَ الواحِدةَ قد تتفاضَلُ أيضًا فالأمرُ بمأمورٍ يكونُ أكمَلَ مِن الأمرِ بمأمورٍ آخَرَ، والرِّضا عن النبيِّينَ أعظَمُ مِن الرِّضا عَمَّن دونَهم، والرَّحمةُ لهم أكمَلُ من الرَّحمةِ لغَيرِهم، وتكليمُ اللهِ لبَعضِ عبادِه أكمَلُ مِن تكليمِه لبَعضٍ [1161] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/211). .

انظر أيضا: