الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: بيانُ مُستَحِقِّها

المستحِقُّ للعِبادةِ هو اللهُ عزَّ وجَلَّ وَحْدَه لا شَريكَ له.
قال اللهُ تعالى حِكايةً عن قَولِ يُوسُفَ عليه السَّلامُ لصاحِبَيه في السِّجنِ: ... إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 40] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: وهو الذي أمَرَ ألَّا تَعبُدوا أنتم وجميعُ خَلْقِه إلَّا اللهَ الذي له الأُلُوهةُ والعِبادةُ خالِصةً دونَ كُلِّ ما سِواه مِنَ الأشياءِ) [839] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/165). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (أخبَرَهم أنَّ الحُكمَ والتصَرُّفَ والمشيئةَ والمُلْكَ كُلَّه للهِ، وقد أمَرَ عِبادَه قاطِبةً ألَّا يَعبُدوا إلَّا إيَّاه، ثمَّ قال: ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العَمَلِ له: هو الدِّينُ المُستقيمُ، الذي أمَرَ اللهُ به وأنزَلَ به الحُجَّةَ والبُرهانَ الذي يُحِبُّه ويَرْضاه، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أي: فلِهذا كان أكثَرُهم مُشرِكينَ) [840] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/390). .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 21، 22].
قال ابنُ جريرٍ: (معنى ذلك: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لتتَّقوه بطاعتِه وتَوحيدِه، وإفرادِه بالرُّبوبيَّةِ والعِبادةِ) [841] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 387). .
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: (قَولُه تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ معناه: وَحِّدوه، وخُصُّوه بالعِبادةِ، وذَكَرَ تعالى خَلْقَه لهم مِن بينِ سائِرِ صِفاتِه؛ إذ كانت العَرَبُ مُقِرَّةً بأنَّ اللهَ خَلَقَها، فذَكَر ذلك حُجَّةً عليهم) [842] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/ 105). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (شَرَع تبارك وتعالى في بيانِ وَحْدانيَّةِ أُلوهِيَّتِه، بأنَّه تعالى هو المُنعِمُ على عَبيدِه، بإخراجِهم مِنَ العَدَمِ إلى الوُجودِ، وإسباغِه عليهم النِّعَمَ الظَّاهِرةَ والباطِنةَ... ومَضمونُه: أنَّه الخالِقُ الرَّازِقُ مالِكُ الدَّارِ وساكِنيها، ورازِقُهم، فبهذا يَستَحِقُّ أن يُعبَدَ وَحْدَه، ولا يُشرَكَ به غَيرُه؛ ولهذا قال: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [843] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/194). .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة: 255].
قال ابنُ جريرٍ: (يعني تعالى ذِكْرُه بقَولِه: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أنَّه مالِكُ جميعِ ذلك بغيرِ شَريكٍ ولا نَديدٍ، وخالِقُ جَميعِه دونَ كُلِّ آلهةٍ ومَعبودٍ، وإنَّما يعني بذلك أنَّه لا تنبغي العِبادةُ لشَيءٍ سِواه؛ لأنَّ المملوكَ إنَّما هو طَوعُ يَدِ مالِكِه، وليس له خِدمةُ غَيرِه إلَّا بأمْرِه. يقولُ: فجَميعُ ما في السَّمَواتِ والأرضِ مِلْكي وخَلْقي، فلا ينبغي أن يَعبُدَ أحَدٌ مِن خَلْقي غيري وأنا مالِكُه؛ لأنَّه لا ينبغي للعَبدِ أن يَعبُدَ غَيرَ مالِكِه، ولا يُطيعَ سِوى مَولاه) [844] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (4/534). .
وعن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَأَلْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قال :((أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ )) [845] أخرجه البخاري (7520) واللَّفظُ له، ومسلم (86). .
وعن مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال له: ((هل تَدري ما حَقُّ اللهِ على عِبادِه؟)) قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: ((حَقُّ اللهِ على عِبادِه أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا )) [846] أخرجه البخاري (5967) واللَّفظُ له، ومسلم (30). .

انظر أيضا: