المبحثُ الخامِسُ: من شُروطِ انعِقادِ الإمامةِ: الذُّكورةُ
من شُروطِ الإمامِ أن يَكونَ ذَكَرًا.
عن أبي بَكْرةَ رَضيَ اللَّهُ تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لما بَلَغَهُ أنَّ فارِسًا مَلَّكوا ابنةَ كِسْرَى قال:
((لَن يُفلِحَ قومٌ ولَّوا أمرَهمُ امرَأةً ))
.
قال
عَلِي القاري: (
((قال: لَن يُفلِحَ قومٌ ولَّوا)) بالتشديدِ، أي: فَوَّضوا
((أمرَهم))، أي: أمرَ مُلْكِهم
((امرَأةً)) في شَرحِ السُّنَّة: لا تَصلُحُ المَرأةُ أن تَكونَ إمامًا، ولا قاضيًا؛ لأنَّهما مُحتاجانِ إلى الخُروجِ للقيامِ بأمورِ المُسلِمينَ، والمَرأةُ عورةٌ لا تَصلُحُ لذلك، ولِأنَّ المَرأةَ ناقِصةٌ، والقَضاءُ من كمالِ الوِلاياتِ؛ فلا يَصلُحُ لَها إلَّا الكامِلُ من الرِّجالِ)
.
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((النِّساءُ ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ ))
.
والإمامةُ تَحتاجُ إلى كمالِ الرَّأيِ، وتَمامِ العَقلِ والفِطنةِ؛ لذلك لا تُقبَلُ شَهادَتُها إلَّا إذا كان مَعَها رَجُلٌ، وقد نَبَّهَ اللَّهُ على نِسيانِهِنَّ بقَولِه تعالى:
أَنْ تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة: 282] .
قال
الغَزاليُّ: (لا تَنعَقِدُ الإمامةُ لامرَأةٍ وإنِ اتَّصَفَت بجَميعِ خِلالِ الكَمالِ، وصِفاتِ الاستِقلالِ، وكَيفَ تَتَرَشَّحُ امرَأةٌ لِمنصِبِ الإمامةِ ولَيسَ لَها مَنصِبُ القَضاءِ، ولا مَنصِبُ الشَّهادةِ في أكثَرِ الحُكوماتِ؟!)
.
وقد أجمَعَ أهلُ العِلمِ على اشتِراطِ الذُّكورةِ في الإمامةِ.قال
ابنُ حَزْمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ الامامةَ لا تَجوزُ لامرَأةٍ ولا لكافِرٍ ولا لصَبيٍّ لم يَبلُغْ، وأنَّه لا يَجوزُ أن يُعقَدَ لمَجنونٍ)
.
وقال أيضًا: (جَميعُ فِرَقِ أهلِ القِبلةِ لَيسَ منهم أحَدٌ يُجيزُ إمامةَ المَرأةِ)
.
وقال
البَغَويُّ: (اتَّفَقوا على أنَّ المَرأةَ لا تَصلُحُ أن تَكونَ إمامًا ولا قاضيًا
؛ لأنَّ الإمامَ يَحتاجُ إلى الخُروجِ لإقامةِ أمرِ الجِهادِ، والقيامِ بأمورِ المُسلِمينَ، والقاضي يَحتاجُ إلى البُروزِ لفَصلِ الخُصوماتِ، والمَرأةُ عورةٌ لا تَصلُحُ للبُروزِ، وتَعجِزُ لضَعفِها عنِ القيامِ بأكثَرِ الأمورِ، ولِأنَّ المَرأةَ ناقِصةٌ، والإمامةُ والقَضاءُ من كمالِ الوِلاياتِ، فلا يَصلُحُ لَها إلَّا الكامِلُ من الرِّجالِ)
.
وقال
القُرطُبيُّ: (أجمَعوا على أنَّ المَرأةَ لا يَجوزُ أن تَكونَ إمامًا وإنِ اختَلَفوا في جَوازِ كونِها قاضيةً فيما تَجوزُ شَهادَتُها فيهـ)
.
وقال
الشِّنقيطيُّ: (من شُروطِ الإمامِ الأعظَمِ: كونُه ذَكَرًا، ولا خِلافَ في ذلك بَينَ العُلماءِ)
.
ومِمَّا قد يَشتَبِهُ ما ورَدَ في القُرآنِ الكَريمِ من أنَّ امرَأةً كانت مَلِكةً على سَبأٍ كما قال اللَّهُ تعالى في قِصَّةِ هُدهُدِ سُلَيمانَ عليه السَّلامُ:
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 22، 23].
قال
الألوسيُّ: (لَيسَ في الآيةِ ما يَدُلُّ على جَوازِ أن تَكونَ المَرأةُ مَلِكةً، ولا حُجَّةَ في عَمَلِ قَومٍ كَفَرةٍ على مِثلِ هذا المَطلَب.
وفي صَحيحِ
البُخاريِّ من حَديثِ
ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لما بَلَغَهُ أنَّ أهلَ فارِسَ قد مَلَّكوا بنتَ كَسْرَى قال:
((لَن يُفلِحَ قومٌ ولَّوا أَمْرَهمُ امرَأةً))
.
وقال عَبدُ المُحسِنِ العباد في شَأنِ مُلْكِ بِلْقِيسَ: (لا يُستَدَلُّ بها على وِلايةِ المَرأةِ على الرِّجالِ؛ لأنَّه حِكايةٌ عَمن كان قَبلَنا، ولَيسَ فيه ذِكرُ أنَّها شَريعةٌ من الشَّرائِعِ، بَل كانت وَقومُها كفَّارًا يَسجُدونَ للشَّمسِ، ومَعَ ذلك فقد جاءَ في شَريعَتِنا ما يَدُلُّ على خِلافِ ذلك)
.
ثُمَّ إنَّ سُلَيمانَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يُسلِّمْ بحُكومَتِها ومُلْكِها، بَل أمرَها وقومَها أن يَأتوا إليه مُذعنِينَ، قال تعالى حِكايةً عن سُلَيمانَ:
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النَّمل: 31] وهذا دَليلٌ على أنَّ سُلَيمانَ لم يَرَ صِحَّةَ مُلكِها، بَل جَعلَها تُطيعُ أمرَ اللهِ وأمرَ رَسولِه ولم يَقبَلْ هداياها.
ثُمَّ خَتَمَ اللَّهُ هذه الواقِعةَ بإسلامِ هذه المَرأةِ، ولَيسَ فيها ما يَدُلُّ على أنَّ اللهَ تعالى مَدحَها وأثنى عليها، ولا ما يَدُلُّ على أنَّ سُلَيمانَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبقاها على مُلكِها، ما جاءَ مِثلُ هذا في الكِتابِ ولا في السُّنَّةِ الصَّحيحةِ.
ثُمَّ إنَّه لَو سُلِّمَ أنَّها بَقيَتْ على مُلكِها بَعدَ إسلامِها، وأقَرَّها سُلَيمانُ فإنَّه لَيسَ بحُجَّةٍ لَنا في شَريعَتِنا؛ لأنَّ الإسلامَ نَهانا عن تَوليةِ المَرأةِ المُلكَ، وقد دَلَّتِ الأدِلَّةُ الصَّحيحةُ من الكِتابِ والسُّنَّة على ذلك؛ فلِذا لا يَصِحُّ الاحتِجاجُ بهذه الواقِعةِ
.