المَطْلَب الأوَّلُ: شِدَّةُ ما يُكابِدُه أهلُ النَّارِ مِن عَذابِها
عَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يُؤتى بأنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِن أهلِ النَّارِ يَومَ القيامةِ، فيُصبَغُ في النَّارِ صَبغةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابنَ آدَمَ، هَل رَأيتَ خيرًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بكَ نَعيمٌ قَطُّ؟ فيَقُولُ: لا واللهِ يا رَبِّ )) [5200] أخرجه مسلم (2807). .
قال
ابنُ عُثيمين : (
((يُؤتى بأنعَمِ أهلِ الدُّنيا في الدُّنيا)) يَعني: أشَدَّهم نَعيمًا في بَدنِه وثيابِه وأهلِه ومَسكَنِه ومَركُوبِه وغيرِ ذَلِكَ،
((فيُصبَغُ في النَّارِ صَبغةً)) يَعني: يُغمَسُ فيها غَمسةً واحِدةً، ويُقالُ لَه:
((يا ابنَ آدَمَ هَل رَأيتَ خيرًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بكَ نَعيمٌ قَطُّ؟ فيَقُولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأيتُ)) لِأنَّه يَنسى كُلَّ هذا النَّعيمِ، هذا وهو شيءٌ يَسيرٌ، فكيفَ بمَن يَكُونُ مُخَلَّدًا فيها -والعياذُ باللهِ- أبَدَ الآبدِينَ)
[5201] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 364). .
وعَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَقُولُ اللهُ تباركَ وتعالى لِأهوَنِ أهلِ النَّارِ عَذابًا: لَو كانَت لَكَ الدُّنيا وما فيها أكُنتَ مُفتَديًا بها؟ فيَقُولُ: نَعَم، فيَقُولُ: قَد أرَدتُ مِنكَ أهونَ مِن هذا، وأنتَ في صُلبِ آدَمَ، أنْ لا تُشرِكَ «أحسَبُه قال:» ولا أُدخِلُكَ النَّارَ، فأَبَيتَ إلَّا الشِّركَ! )) [5202] أخرجه البخاري (3334)، ومسلم (2805) واللَّفظُ له. .
قال المظهَريُّ: (يَعني: يَقُولُ اللهُ سُبحانَه لِمَن لَه تَخفيفٌ في العَذابِ يَومَ القيامةِ: لَو حَصَلَ لَكَ ما في الأرضِ جَميعًا هَل كُنتَ تَفتَدي بها لِخَلاصِ نَفسِكَ عَنِ النَّارِ؟ فيَقُولُ: نَعَم يا رَبِّ.
((فيَقُولُ الله تعالى: أرَدتُ مِنكَ أهونَ مِن هذا)) أي: أمرْتُكَ بأسهَلَ مِن هذا وأخَفَّ عَليكَ، وهو الإيمانُ والتَّصديقُ بي وبجَميعِ كُتبي ورُسُلي وما هو في الآخِرةِ مِنَ الغيبِ، وأنتَ في صُلبِ آدَمَ، فأبيتَ إلَّا أن تُشرِكَ بي، أي: فامتَنَعْتَ عَنِ الإيمانِ والإسلامِ وأشرَكْتَ بي، والإرادةُ هاهنا بمَعنى: الأمرِ، والفَرقُ بينَ الأمرِ والإرادةِ: أنَّ ما يَجري في العالَمِ لا مَحالةَ كائِنٌ بإرادَتِه ومَشيئَتِه، وأمَّا الأمرُ فقَد يَكُونُ مُخالِفًا لِإرادَتِه ومَشيئَتِه)
[5203] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (6/ 31). .
وقال علي القاري: (عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم قال:
((يَقُولُ اللهُ لِأهوَنِ أهلِ النَّارِ عَذابًا يَومَ القيامةِ: لَو أنَّ لَكَ)) أي: لَو فُرِضَ الآنَ أن تَملِكَ
((ما في الأرضِ مِن شيءٍ)) مِن زائِدةٌ لِلِاستِغراقِ، أي: جَميعَ ما فيها وطُلِبَ مِنكَ أن تَفتَديَ به وتُخَلِّصَ نَفسَكَ مِنَ النَّارِ...
((وأنتَ في صُلب آدَم)) أي: تَعَلَّقَ بكَ الأمرُ، والحالُ أنَّكَ في صُلبِ آدَمَ، وفيه إيماءٌ إلى قَضيَّةِ الميثاقِ المُشتَمِلِ على قَولِه:
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعرافِ: 172] أوِ المُرادُ مِنه التَّوحيدُ والعِبادةُ على وَجهِ التَّفريدِ، وإليه أشارَ بقَولِه:
((أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا)) وهو بَدَلٌ أو بيانٌ لِقَولِه: أهونَ.
((فأبيتَ)) أي: كُلَّ شيءٍ
((إلَّا أن تُشرِكَ بي)) أي: فلا جَرمَ لا أقبَلُ مِنكَ ولَوِ افتَديتَ بجَميعِ ما في الأرضِ كَما قال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ [المائدة: 36] )
[5204] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (9/ 3614). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش