الموسوعة العقدية

الْمَطْلَبُ الثَّاني: أصلُ يَأجوجَ ومَأجوجَ

هما من ولَدِ آدَمَ وحَوَّاءَ، كما هو ظاهِرُ حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ الله عَنه قال: قال رَسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القيامةِ: يا آدَمُ، يَقولُ: لَبَّيكَ رَبَّنا وسَعْدَيكَ، فيُنادى بصَوتٍ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكَ أن تُخرِجَ من ذُرِّيَّتِكَ بَعثًا إلى النَّارِ، قال: يا رَبِّ، وما بَعثُ النَّارِ؟ قال: من كُلِّ ألفٍ -أُراه قال- تِسعَمِائةٍ وتِسعةً وتِسعينَ، فحينَئِذٍ تَضَعُ الحامِلُ حَمْلَها، ويَشيبُ الوَليدُ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج: 2] ، فشَقَّ ذلك على النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَت وُجوهُهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مِن يَأجوجَ ومَأجوجَ تِسعَمِائةٍ وتِسعةً وتِسعين ومِنكم واحِدٌ...)) [2849] أخرجه البخاري (4741) مُطَولًا. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (الغَرَضُ مِنه هنا ذِكرُ يَأجوجَ ومَأجوجَ والإشارةُ إلى كثرَتِهم، وأنَّ هَذِه الأمَّةَ بالنِّسبةِ إليهم نَحوُ عُشرِ عُشرِ العُشرِ، وأنَّهم من ذُرِّيَّةِ آدَمَ؛ رَدًّا على من قال خِلافَ ذلك) [2850] يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 386). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (وهم من ذُرِّيَّةِ آدَمَ... ثُمَّ هم مِن حَوَّاءَ، وقَد قال بَعضُهم: إنَّهم من آدَمَ لا من حَوَّاءَ، وذلك أنَّ آدَمَ احتَلَمَ فاختَلَطَ مَنِيُّه بالتُّرابِ، فخَلقَ اللهُ من ذلك يَأجوجَ ومَأجوجَ، وهذا ممَّا لا دَليلَ عليه، ولَم يَرِد عَمَّن يَجِبُ قَبولُ قَولِه في هذا، والله أعلَمُ. وهم من ذُرِّيَّةِ نوح عليه السَّلامُ؛ من سُلالةِ يافِثَ بنِ نُوحٍ، وهو أبو التُّركِ، وقَد كانوا يُفسِدونَ في الأرضِ، ويَؤذونَ أهلُها، فأمرَ اللهُ سُبحانَه ذا القَرنين فحَصرَهم في مَكانِهم داخِلَ السَّدِّ إلى أن يَأذَنَ اللهُ تعالى في خُروجِهم على النَّاسِ، فيَكونُ من أمرِهم ما ذَكَرْنا في الأحاديثِ. وهم كالنَّاسِ يُشبِهونَهم كأبناءِ جِنسِهم مِنَ التُّركِ... على أشكالِهم وألوانِهم، ومَن زَعَمَ أنَّ مِنهم الطَّويلَ كالنَّخلةِ السَّحُوقِ وأطوَلَ، ومِنهم القَصيرُ كالشَّيءِ الحَقيرِ، ومِنهم من لَه أُذُنانِ يَتَغَطَّى بإحداهما ويَتَوَطَّأ بالأخرى، فقَد تَكَلَّفَ ما لا عِلمَ لَه به، وقال ما لا دَليلَ عليه) [2851] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 238-240). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (يَأجوجُ ومَأجوجُ اسمانِ أعجَميَّانِ أو عَربيَّانِ، مُشتَقَّانِ مِنَ الْمَأجِ، وهو الِاضطِرابُ، أو من أجيجِ النَّارِ وتَلهُّبِها. وهما أمَّتانِ من بني آدَمَ مَوجودَتانِ بدَليلِ الكِتابِ والسُّنةِ. قال الله تعالى في قِصَّةِ ذي القَرنين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [الكهف: 93، 94] الآيات.
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقولُ الله يَومُ القيامةِ: يا آدَمُ، قُمْ فابعَثْ بَعْثَ النَّارِ من ذُرِّيَّتِكَ )) إلى أنْ قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أبشِروا؛ فإنَّ مِنكم واحِدًا، ومَن يَأجوجَ ومَأجوجَ أَلفًا )) أخرَجاه في الصَّحيحينِ. وخُروجُهم الذي يَكونُ من أشراطِ السَّاعةِ لَم يَأتِ بَعْدُ، ولَكِن بوادِرُه وُجِدَت في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقَد ثَبَت في الصَّحيحين أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فُتِحَ اليَومَ من رَدْمِ يَأجوجَ ومَأجوجَ مِثلُ هَذِه، وحَلَّقَ بأُصبُعِه الإبهامِ والَّتي تَليها )) [2852] أخرجه البخاري (3346)، ومسلم (2880) مُطَولًا من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنه. [2853] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 108). .

انظر أيضا: