الموسوعة العقدية

الفَرعُ الرَّابِعُ: إظهارُه التَّحَكُّمَ في مَصادِرِ الرِّزْقِ

وذلك بالإمطارِ والإنباتِ ودَرِّ الْماشيةِ وإخراجِ كُنوزِ الأرضِ.
عَنِ النَّواسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((فيَأتي على القَومِ فيَدعوهم فيُؤَمِنونَ به ويَستَجيبونَ لَه، فيَأمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ والأرضَ فتُنْبِتُ، فتَروحُ عليهم سارِحَتُهم أطوَلَ ما كانت ذُرًا وأسبَغَه ضُروعًا وأمَدَّه خَواصِرَ، ثُمَّ يَأتي القَومَ فيَدعوهم فيردُّونَ عليه قَولَه، فيَنصَرِفُ عَنهم فيُصبِحونَ مُمحِلِينَ لَيسَ بأيديهم شَيءٌ من أموالِهم، ويَمُرُّ بالخَربةِ فيَقولُ لَها: أخرِجي كُنوزَكِ. فتَتبَعُه كُنوزُها كيَعاسيبِ النَّحلِ )) [2630] أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا. .
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((فتَغدو عليهم سارِحَتُهم أطوَلَ ما كانت ذُرًا، وأسبَغَه ضُروعًا )) تَغدو: تَبكرُ. والسَّارِحةُ: الْمَواشي الَّتي تَخرُجُ للسَّرحِ، وهو الرَّعيُ، كالإبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ. والذُّرَا: جَمعُ ذِرْوةٍ، وهيَ الأسنِمةُ، وأسبَغَه: أطوَلَه ضُروعًا؛ لكَثرةِ اللَّبَنِ. وأمَدَّه خَواصِرَ: لكَثرةِ أكْلِها، وخصْبِ مَرعاها. وقَولُه: ((فيُصبِحونَ مُمحِلِينَ)) وفي بَعضِ الرِّواياتِ: آزِلينَ، والمَحْلُ والأزْلُ، والقَحْطُ، والجَدبُ، كُلُّها واحِدٌ. واللهُ تعالى أعلَمُ. ويَعاسيبُ النَّحلِ: فحُولُها، واحِدُها: يَعسوبٌ، وقيلَ: أُمَراؤُها، ووَجه التَّشبيه أن يَعاسيبَ النَّحلِ يَتبَعُ كُلَّ واحِدٍ مِنهم طائِفةٌ مِنَ النَّحلِ، فتَراها جَماعاتٍ في تَفرِقةٍ، فالكُنوزُ تَتْبَعُ الدَّجَّالَ كذلك) [2631] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 281). .
وجاءَ في (تَتمَّةِ الْمَفاتيحِ في شَرحِ الْمَصابيحِ): (يَعني: يَأمُرُ السَّحابَ بأن تُمطِرَ فتُمطِرُ، ويَأمُرُ الأرضَ بأن تُنبِتَ فتُنْبِتُ، فتَعودُ إليهم ماشيَتُهم سِمانًا كثيرةَ الدَّرِّ، أسمَنَ ما كانت قَبلَ الْمَحْلِ. وقيلَ: إنَّما يُريهم ذلك سِحرًا وشَعْبَذةً، ولَو كان ذلك على الحَقيقةِ لَما بَعُدَ ذلك؛ أن يَفعَلَ اللهُ سُبحانَه هَذِه الأفاعيلَ عِندَ حَرَكاتٍ يَتَحَرَّكُ بها الدَّجَّالُ، كما أنَّه خَلقَ الخُوارَ في العِجْلِ الذي صاغَه السَّامِريُّ ابتِلاءً وامتِحانًا لعَبادِه، ولله سَبحانِه أن يَمتَحِنَ عَبادَه بما شاءَ. ((مُمحِلِين)) أي: مُجْدِبين، ((أمحَلَ)): إذا دَخَلَ في الجَدْبِ، أيِ: القَحْطِ. ((اليَعاسيبُ)) جَمعُ يعسوبٍ، وهو سَيِّدُ النَّحلِ) [2632] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (5/ 421). .
ومِنَ الْمُلاحَظِ أنَّ ما مَعَ الدَّجَّالِ من جِبالِ الخُبزِ واللَّحمِ والأنهارِ والكُنوزِ وغَيرِها يَأتي في وقتٍ تَشتَدُّ فيه حاجةُ النَّاسِ إلى الرِّزقِ والغِذاءِ، وتَبلُغُ أقصى دَرَجاتِ الحاجةِ، وبِذلك تَعظُمُ الفِتنةُ وتَشتَدُّ، فقَد يَتبَعُه كثيرٌ مِنَ النَّاسِ مَعَ عِلمِهم بكَذِبِه لشِدَّةِ حاجَتِهم وإيثارِهم دُنْياهم على أُخْراهم.
قال ابنُ تَيميَّةَ في شَأنِ الدَّجَّالِ: (يَخرُجُ بَعدَ بَلاءٍ شَديدٍ يُصيبُ النَّاسَ، وشُبُهاتٍ عَظيمةٍ مَعَ رَغبةٍ عَظيمةٍ ورَهبةٍ عَظيمةٍ، ويَتبَعُه أكثَرُ النَّاسِ، حَتَّى اليَهودُ مَعَ دَعواهم الكِتابَ هم أكثَرُ النَّاسِ تَبَعًا لَه!) [2633] يُنظر: ((بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية)) (ص: 517). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (مِن فتنَتِه أنَّه يَدَّعي أوَّلَ ما يَظهَرُ أنَّه نَبيٌّ، فإذا تابعَه النَّاسُ على ما مَعَه مِنَ التَّمويه ادَّعى أنَّه رَبٌّ، ويُؤَيَّدُ على ذلك بما آتاه الله مِنَ الفِتْنةِ؛ حَيثُ يَأمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ والأرضَ فتُنْبِتُ، فيَأتي إلى القَومِ يَدعوهم إلى أنَّه الرَّبُّ، فإذا أجابوه قال للسَّماءِ: أمطِري، فتُمطِرُ السَّماءُ، وقال للأرضِ: أنبِتي، فتُنبِتُ الأرضُ، وتَهتَزُّ رابية، فتَرجِعُ مَواشيهم إليهم أسبَغَ ما تَكونُ ضُروعًا، فتَمتَلِئُ ضُروعُها لَبَنًا، وجُلودُها لَحمًا وشَحمًا، ويُخصِبونَ. ويَأتي إلى القَومِ يَدعوهم فيُنكرونَه ويُكذِّبونَه، فيَأمُرُ السَّماءَ فتُقلِعُ، والأرضَ فتُجْدِبُ، فيُصبِحونَ مُمحِلِين لَيسَ عِندَهم شَيءٌ مِنَ الْمَراعي، وتَرجِعُ إليهم مَواشيهم كأهزَلِ ما تَكونُ، وهَذِه فتنةٌ عَظيمةٌ، ولا سيَّما لأهلِ الباديةِ) [2634] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 454). .

انظر أيضا: