الموسوعة العقدية

الْمَبحَثُ التَّاسِعُ والعِشرونَ: كثرةُ النِّساءِ وقِلَّةُ الرِّجالِ

عَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((من أشراطِ السَّاعةِ: أن يَقِلَّ العِلمُ، ويَظهَرَ الجَهْلُ، ويَظهَرَ الزِّنا، وتَكثُرَ النِّساءُ، ويَقِلَّ الرِّجالُ، حَتَّى يَكونَ لخَمسينَ امرَأةً القَيِّمُ الواحِدُ )) [2156] أخرجه البخاري (81) واللَّفظُ له، ومسلم (2671) مُطَولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. .
قال ابنُ حَجَرٍ: ( ((وتَكثُر النِّساءُ)) قيلَ: سَبَبُه أنَّ الفِتَنَ تَكثُر فيَكثُرُ القَتْلُ في الرِّجالِ؛ لأنَّهم أهلُ الحَربِ دونَ النِّساءِ، وقال أبو عَبدِ الْمَلكِ: هو إشارةٌ إلى كثرةِ الفُتوحِ، فتَكثُر السَّبايا فيَتَّخِذُ الرَّجُلُ الواحِدُ عِدَّةَ مَوطوءاتٍ. قُلْتُ: وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه صَرَّحَ بالقِلَّةِ في حَديثِ أبي موسى الآتي في الزَّكاةِ عِندَ الْمُصَنِّفِ، فقال: من قِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرةِ النِّساءِ ، والظَّاهِرُ أنَّها عَلامةٌ مَحْضةٌ لا لسَبَبٍ آخَرَ، بَل يُقَدِّرُ اللهُ في آخِرِ الزَّمانِ أن يَقِلَّ مَن يولَدُ مِنَ الذُّكورِ ويَكثُرَ مَن يُولَدُ مِنَ الإناثِ، وكَونُ كثرةِ النِّساءِ مِنَ العَلاماتِ مُناسِبةٌ لظُهورِ الجَهْلِ ورَفعِ العِلمِ، وقَولُه: لخَمسينَ، يَحتَمِلُ أن يُرادَ به حَقيقةُ هذا العَدَدِ، أو يَكونَ مَجازًا عَنِ الكَثرةِ، ويُؤَيِّدُه أنَّ في حَديثِ أبي موسى: ((وتَرى الرَّجُلَ الواحِدَ يَتبَعُه أربَعونَ امرَأةً)) [2157] أخرجه البخاري (1414)، ومسلم (1012) مُطَولًا. . قَولُه: القَيِّمُ، أي: مَن يَقومُ بأمرِهِنَّ، واللَّامُ للعَهدِ؛ إشعارًا بما هو مَعهودٌ من كونِ الرِّجالِ قَوَّامين على النِّساءِ، وكَأنَّ هَذِه الأمورَ الخَمسةَ خُصَّت بالذِّكرِ لكَونِها مُشْعِرةً باختِلالِ الأمورِ الَّتي يَحصُلُ بحِفظِها صَلاحُ الْمَعاشِ والمَعادِ، وهيَ: الدِّينُ؛ لأنَّ رَفعَ العِلمِ يُخِلُّ به، والعَقلُ؛ لأنَّ شُربَ الخَمرِ يُخِلُّ به، والنَّسَبُ؛ لأنَّ الزِّنا يُخِلُّ به، والنَّفسُ والمالُ؛ لأنَّ كثرةَ الفِتَنِ تُخِلُّ بهما) [2158] يُنظر: ((فتح الباري)) (1/ 179). .
وعَن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليَأتينَّ على النَّاسِ زَمانٌ يَطوفُ الرَّجُلُ فيه بالصَّدَقةِ مِنَ الذَّهَبِ، ثُمَّ لا يَجِدُ أحَدًا يَأخُذُها مِنه، ويُرى الرَّجُلُ الواحِدُ يَتبَعُه أربَعونَ امرَأةً، يَلُذْنَ به؛ من قِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرةِ النِّساءِ )) [2159] أخرجه البخاري (1414)، ومسلم (1012). .
قال القُرطُبيُّ: (قَولُه: ((ويُرى الرَّجُلُ يَتبَعُه أربَعونَ امرَأةً)) يُريدُ -والله أعلَمُ- أنَّ الرِّجالَ يُقتَلونَ في الْمَلاحِمِ، وتَبقى نِساؤُهم أرامِلَ، فيُقبِلْنَ على الرَّجُلِ الواحِدِ في قَضاءِ حَوائِجِهِنَّ، ومَصالحِ أمورِهِنَّ، كما قال في الحَديثِ الآخَرِ قَبلَه: ((حَتَّى يَكونَ لخَمسينَ امرَأةً القَيِّمُ الواحِدُ )) الذي يَسُوسُهُنَّ، ويَقومُ عليهِنَّ من بَيعٍ وشِراءٍ وأخذٍ وعطاءٍ، وقَد كان هذا عِندَنا أو قَريبًا مِنه بالأندَلُسِ.
وقيلَ: إنَّ لقلَّةِ الرِّجالِ، وغَلَبةِ الشَّبَقِ على النِّساءِ يَتبَعُ الرَّجُلَ الواحِدَ أربَعونَ امرَأةً، كُلُّ واحِدةٍ تَقولُ: أنكِحْني، والأوَّلُ أشبَهُ.
ويَكونُ مَعنى: ((يَلُذْنَ)) يَستَترِنْ ويَتَحَرَّزْنَ، مِنَ الْمَلاذِ الذي هو السُّترةُ، لا مِنَ اللَّذَّةِ. ولَقَد أخبَرَني صاحِبُنا أبو القاسِمِ رَحِمَه الله أخو شَيخِنا أبي العَبَّاسِ أحمَدَ بنِ عُمرَ رَحِمَه الله أنَّه رَبَطَ نَحوًا من خَمسينَ امرَأةً واحِدةً بَعدَ أُخرى في حَبلٍ واحِدٍ مَخافةَ سَبْيِ العَدُوِّ، حَتَّى خَرجوا من قُرطُبةَ أعادَها اللهُ) [2160] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 351). .
وقال النَّوَويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ويُرى الرَّجُلُ الواحِدُ تَتبَعُه أربَعونَ امرَأةً يَلُذْنَ به؛ من قِلَّةِ الرِّجالِ، وكَثرةِ النِّساءِ)) مَعنى يَلُذْنَ به: أي يَنتَمينَ إليه، ليَقومَ بحَوائِجِهِنَّ، ويَذُبَّ عَنهُنَّ، كقَبيلةٍ بَقِيَ من رِجالِها واحِدٌ فقَط، وبَقيَت نِساؤُها، فيَلُذْنَ بذلك الرَّجُلِ ليَذُبَّ عَنهُنَّ، ويَقومَ بحَوائِجِهِنَّ، ولا يَطمَعَ فيهِنَّ أحَدٌ بسَبَبِه، وأمَّا سَبَبُ قِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرةِ النِّساءِ فهو الحُروبُ والقِتالُ الذي يَقَعُ في آخِرِ الزَّمانِ، وتَراكُمِ الْمَلاحِمِ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ويَكثُرُ الهَرْجُ)) [2161] أخرجه البخاري (6037)، ومسلم (157) مُطَولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. أيِ: القَتْلُ) [2162] يُنظر: ((شرح مسلم)) (7/ 96). .
قال ابنُ قاسِمٍ في أشراطِ السَّاعةِ: (أماراتُها ثَلاثةُ أقسامٍ:
قِسمٌ ظَهَرَ وانقَضى: كبَعثةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...
وقِسمٌ مُتَوَسِّطٌ: ككَونِ أسعَدِ النَّاسِ بالدُّنيا: لُكَع بن لُكَع... وقِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرةِ النِّساءِ...) [2163] يُنظر: ((حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية)) (ص: 77). .
وقال ابنُ بازٍ: (عَن أبي موسى رَضِيَ الله عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليَأتينَّ على النَّاسِ زَمانٌ يَطوفُ الرَّجُلُ فيه بالصَّدَقةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لا يَجِدُ أحَدًا يَأخُذُها مِنه، ويُرى الرَّجُلُ الواحِدُ يَتبَعُه أربَعونَ امرَأةً يَلُذْنَ به؛ من قِلَّةِ الرِّجالِ وكَثرةِ النِّساءِ )) وفي رِوايةٍ: ((خَمسين))، إمَّا لسَبَبِ حُروبٍ طاحِنةٍ، أو أوبِئةٍ، أو لتَعقيمِ أرحامِ النِّساءِ عَنهم) [2164] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (1/ 434). .

انظر أيضا: