الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: الإيمانُ بأنَّه لا يَعلَمُ أحَدٌ مَوضِعَ نُزولِ الأجَلِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَه

يَجِبُ الإيمانُ بأنَّ ذلك الأجلَ المَحتومَ لِانتِهاءِ كُلِّ عُمُرٍ لا اطِّلاعَ لَنا على مَكانِ حُدُوثِه ولا عِلمَ لَنا به؛ فذلك من مَفاتِحِ الغَيب الَّتي استأثَرَ اللَّهُ تعالى بعِلْمِها عَن جَميعِ خَلقِه، فلا يَعلَمُها إلَّا هو سُبحانَه [1337] يُنظر: ((معارج القبول)) لحافظ الحكمي (2/ 706). .
قال اللهُ تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام: 59] .
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَفاتِحُ الغَيبِ خَمسٌ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [1338] أخرجه البخاري (4627).
قال ابنُ جريرٍ: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ يقولُ: وما تعلَمُ نَفسٌ حَيٌّ بأيِّ أرضٍ تكونُ مَنِيَّتَها) [1339] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/ 584). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (لا يَدري الإنسانُ بأيِّ أرضٍ يَموتُ؟ هَل يَموتُ بأرضِه، أو بأرضٍ بَعيدةٍ عَنها، أو قَريبةٍ مِنها، أو يَموتُ في البَحرِ، أو يَموتُ في الجَوِّ؟ لا يَدري، ولا يَعلَمُ ذلك إلَّا اللَّهُ.
فإذا كُنتَ لا تَدري بأيِّ أرضٍ تَموتُ، وأنتَ يُمكِنُكَ أن تَذهَبَ يَمينًا وشِمالًا، فكَذلك لا تَعلَمُ مَتَى تَموتُ، لا تَدري في أيِّ وقتٍ تَموتُ، هَل سَتَموتُ في الصَّباحِ، في المَساءِ، في اللَّيلِ، في وسَطِ النَّهارِ لا تَدري، في الشَّهرِ القَريبِ، في الشَّهرِ البَعيدِ لا تَدري، لا تَدري مَتَى تَموتُ ولا بأيِّ أرضٍ تَموتُ.
فإذا كُنتَ كَذلك؛ فاقصُرِ الأمَلَ، لا تَمُدَّ الأملَ طَويلًا... فالإنسانُ لا يَعلَمُ مَتَى يَموتُ، ولا يَعلَمُ بأيِّ أرضٍ يَموتُ) [1340] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 442). .
وعَن أبي عَزَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتعالى إذا أرادَ قَبْضَ رُوحِ عَبدٍ بأرضٍ جَعلَ لَه فيها -أو قال: بها- حاجةً )) [1341] أخرجه الترمذي (2147)، وأحمد (15539) واللَّفظُ له. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (6151)، والحاكم في ((المستدرك)) (1/102)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2147)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15539)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1253): على شرط الشيخين. .
قال الصَّنعانيُّ في شَرحِه: (هو فردٌ من أفرادِ وُقوعِ ما قَدَّرَه اللَّهُ من أفعالِ العِبادِ باختيارِهم؛ فإنَّه تعالى قَدَّرَ وفاةَ زَيدٍ بالأرضِ الفلانيَّةِ مَثَلًا، فمَشَى إلَيها مُختارًا، كانَ ما قَدَّره اللَّهُ تعالى؛ فلا مُنافاةَ بَينَ تَقديرِه تعالى واختيارِ عَبدِه) [1342] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (1/ 540). .

انظر أيضا: