الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: المادَّةُ الَّتي خُلِقَ مِنها الجِنُّ

قال اللهُ تعالى: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ [الحجر: 27] .
 قال ابنُ عَطِيَّةَ: (الجانُّ يُرادُ بهِ جِنسُ الشَّياطينِ، ويُسَمَّونَ: جِنَّةً وجانًّا لاستَتارهم عَنِ العَينِ... والمُرادُ بهذه الخِلقةِ إبليسُ أبو الجِنِّ... وقَولُه: مِنْ قَبْلُ لأنَّ إبلِيسَ خُلِقَ قَبلَ آدَمَ بمُدَّةٍ، وخُلِقَ آدَمُ آخِرَ الخَلقِ. والسَّمُومُ -في كلامِ العَرَبِ- إفراطُ الحَرِّ حَتَّى يَقتُلَ من نارٍ أو شَمسٍ أو ريحٍ. وقالت فِرقةٌ: السَّمومُ باللَّيلِ، والحَرورُ بالنَّهارِ) [4267] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/ 359). .
وقال اللهُ سُبحانَه: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ [الرحمن: 15].
 قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه: وخَلقَ الجانَّ من مارِجٍ من نارٍ، وهوَ ما اختَلَطَ بَعضُه ببَعضٍ، من بَين أحمَرَ وأصفَرَ وأخضَرَ، من قَولِهم: مَرَجَ أمرُ القَومِ: إذا اختَلَطَ) [4268] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 194). .
 وقال الشَّوكانيُّ: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ يَعني خَلقَ أبا الجِنِّ أو جِنسَ الجِنِّ من مارِجٍ من نارٍ، والمارِجُ: اللَّهَبُ الصَّافي مِنَ النَّارِ، وقيلَ: الخالِصُ مِنها، وقيلَ: لسانُها الَّذي يَكونُ في طَرَفِها إذا التَهَبتْ، وقال اللَّيثُ: المارِجُ: الشُّعلةُ السَّاطِعةُ ذاتُ اللَّهَبِ الشَّديدِ. وقال المُبَرِّدُ: المارِجُ: النَّارُ المُرسَلةُ الَّتي لا تُمنَعُ، وقال أبو عُبيدةَ: المارِجُ: خَلطُ النَّارِ، من مَرَجَ إذا اختَلَطَ واضطَرَب. قال الجَوهَريُّ: «مارِجٌ من نارٍ»: نارٌ لا دُخانَ لَها، خُلِقَ مِنها الجانُّ) [4269] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/ 161). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ مخاطِبًا إبليسَ: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: 12] .
 قال الشَّوكانيُّ: (إنَّما قال في الجَوابِ: أنا خَيرٌ مِنه، ولَم يَقُل: مَنعَني كذا؛ لأنَّ في هذه الجُملةِ الَّتي جاءَ بها مُستَأنَفةً ما يَدُلُّ على المانِعِ، وهوَ اعتِقادُه أنَّه أفضَلُ مِنه، والفاضِلُ لا يَفعَلُ مِثلَ ذلك للمَفضولِ، مَعَ ما تُفيدُه هذه الجُملةُ من إنكارِ أن يُؤمَرَ مِثلُه بالسُّجودِ لمِثلِهِ. ثُمَّ عَلَّلَ ما ادَّعاه مِنَ الخَيريَّةِ بقَولِه: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ اعتِقادًا مِنه أنَّ عُنصُرَ النَّارِ أفضَلُ من عُنصُرِ الطِّينِ) [4270] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (2/ 218). .
وعَن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قالت: قال رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خُلِقَتِ المَلائِكةُ من نُورٍ، وخُلقَ الجانُّ من مارِجٍ من نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم )) [4271] رواه مسلم (2996). .
 قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: ( قَولُه: ((وخُلقَ الجانُّ من مارِجٍ من نارٍ)) أي: من شُواظٍ ذي لَهَبٍ واتِّقادٍ ودُخانٍ، فكانوا شَرًّا مَحْضًا، والخَيرُ فيهم قَليلٌ) [4272] يُنظر: ((المفهم)) (7/ 315). .
 وقال الصَّنعانيُّ: ( ((وخُلِقَ الجانُّ)) هوَ أبو الجِنِّ أو هوَ إبليسُ. ((من مارِجٍ من نارٍ)) أي: من نارٍ مُختَلِطةٍ بهَواءٍ مُشتَعِلٍ، والمَرْجُ: الِاختِلاطُ، فهوَ من عُنصُرَينِ هَواءٍ ونارٍ) [4273] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (5/ 504).  .

انظر أيضا: