الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الأربعون: الآثارُ الإيمانيَّةُ لأسماءِ اللهِ: العَلِيِّ – الأعلى – المُتَعالِ

تضَمَّنت هذه الأسماءُ الكريمةُ إثباتَ عُلُوِّ ذاتِ رَبِّنا سُبحانَه، وأنَّه عالٍ على كُلِّ شَيءٍ، وفوق كُلِّ شَيءٍ، ولا شَيءَ فَوقَه، وهو فوقَ العَرْشِ كما أخبر عن نَفْسِه، وهو أعلَمُ بنَفْسِه.
ومن الآثارِ الإيمانيَّةِ لهذه الأسماءِ الإلهيَّةِ: خُضوعُ العَبدِ للهِ تعالى والتذَلُّلُ له مع محبَّتِه وتعظيمِه، وهذان هما رُكْنا العبوديَّةِ لله تعالى. كما قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ الإلهَ هو المألوهُ، والمألوهُ هو الذي يستحِقُّ أن يُعبَدَ، وكونُه يَستَحِقُّ أن يُعبَدَ هو بما اتَّصَف به من الصِّفاتِ التي تستلزِمُ أن يكونَ هو المحبوبَ غايةَ الحُبِّ، المخضوعَ له غايةَ الخُضوعِ، والعبادةُ تتضَمَّن غايةَ الحُبِّ بغايةِ الذُّلِّ) [3612] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (10/ 249). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (العبادةُ تجمَعُ أصلَينِ: غايةَ الحُبِّ بغايةِ الذُّلِّ والخُضوعِ، والعَرَبُ تقولُ: طَريقٌ مُعَبَّدٌ، أي: مُذَلَّلٌ، والتعَبُّدُ: التذَلُّلُ والخضوعُ، فمن أحبَبْتَه ولم تكنْ خاضِعًا له، لم تكُنْ عابِدًا له، ومن خضَعْتَ له بلا مَحَبَّةٍ لم تكُنْ عابدًا له، حتى تكونَ محِبًّا خاضِعًا) [3613] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 95). .
ومن الآثارِ كذلك: التواضُعُ لله تعالى ولِما أنزل من الحَقِّ؛ فلا يَرُدُّ أحدٌ الحَقَّ ويؤثِرُ الباطِلَ عليه إلَّا حين يَغفُلُ عن آثارِ أسماءِ اللهِ الحُسنى التي فيها إثباتُ العُلُوِّ والعَظَمةِ، والمُلْكِ والحِكمةِ لله تعالى [3614] يُنظر: ((ولله الأسماء الحسنى)) لعبد العزيز الجليل (ص: 223). .
ومنها: الحَذَرُ من العُلُوِّ في الأرضِ بغيرِ الحَقِّ؛ فاللهُ هو العَلِيُّ المتعالِ الأعلى؛ ولذلك لَمَّا ذكر تعالى علاجَ نُشوزِ الزَّوجاتِ خَتَم باسمَيه «العَلِيِّ الكبيرِ»، فقال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34] .
قال القاسمي: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا فاحذَرُوه. تهديدٌ للأزواجِ على ظُلمِ النِّسوانِ مِن غيرِ سَبَبٍ؛ فإنَّهنَّ وإنْ ضَعُفْن عن دَفعِ ظُلْمِكم، وعَجَزْنَ عن الانتصافِ منكم؛ فاللهُ سُبحانَه عَلِيٌّ قاهِرٌ كبيرٌ قادِرٌ، ينتقِمُ ممَّن ظلَمَهنَّ وبغى عليهنَّ، فلا تغتَرُّوا بكونِكم أعلى يدًا منهنَّ وأكبَرَ درجةً منهنَّ؛ فإنَّ اللهَ أعلى منكم وأقدَرُ منكم عليهنَّ؛ فختْمُ الآيةِ بهذينِ الاسمينِ فيه تمامُ المناسَبةِ) [3615] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (3/ 100). .

انظر أيضا: