الموسوعة العقدية

المَطلَبُ الأوَّلُ: المُرادُ بالتَّأويلِ وانقسامُه إلى تأويلٍ صَحيحٍ وتأويلٍ فاسِدٍ

المرادُ بالتَّأويلِ في كِتابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: حقيقةُ المعنى الذي يَؤُولُ اللَّفظُ إليه، وهي الحقيقةُ الموجودةُ في الخارجِ؛ فإنَّ الكلامَ نوعانِ: خَبَرٌ وطَلَبٌ؛ فتأويلُ الخبرِ هو الحقيقةُ، وتأويلُ الوَعدِ والوَعيدِ هو نفسُ الموعودِ والمتوعَّدِ به، وتأويلُ ما أخبَرَ اللهُ به من صفاتِه وأفعالِه نَفْسُ ما هو عليه سُبحانَه، وما هو موصوفٌ به من الصِّفاتِ العُلا، وتأويلُ الأمرِ هو نَفْسُ الأفعالِ المأمورِ بها [144] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/177). .
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ في رُكُوعِه وسُجُودِه: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ القُرآنَ) [145] أخرجه البخاري (4968)، ومسلم (484). .
والمُرادُ بالتَّأويلِ في اصطِلاحِ أهلِ التَّفسيرِ والسَّلَفِ مِن أهلِ الفِقهِ والحَديثِ: التَّفسيرُ والبيانُ [146] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/178). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فالتَّأويلُ الصَّحيحُ هو القِسمانِ الأوَّلانِ، وهما حقيقةُ المعنى وما يَؤُولُ إليه في الخارجِ، أو تفسيرُه وبيانُ معناه، وهذا التَّأويل يعمُّ المحكَمَ والمتشابِهَ، والأمرَ والخَبَرَ... فالتَّأويل الذي يوافِقُ ما دلَّت عليه النُّصوصُ وجاءت به السُّنَّةُ ويطابِقُها: هو التَّأويلُ الصَّحيحُ، والتَّأويلُ الذي يخالِفُ ما دلَّت عليه النُّصوصُ وجاءت به السُّنةُ: هو التَّأويلُ الفاسِدُ) [147] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (1/181، 187). .
والتَّأويلُ في اصطِلاحِ الأُصوليِّينَ هو: صرفُ اللَّفظِ عن ظاهِرِه المتبادِرِ منه إلى معنًى محتمِلٍ بدَليلٍ.
وهو قِسمانِ:
1- تأويلٌ صَحيحٌ مَقبولٌ: وهو صرفُ اللَّفظِ عن ظاهِرِه المتبادِرِ منه، لدَليلٍ صحيحٍ مِن القُرآنِ أو السُّنَّةِ.
2- تأويلٌ فاسدٌ غيرُ مَقبولٍ: وهو صرفُ اللَّفظِ عن ظاهِرِه المتبادِرِ منه، لشيءٍ يعتَقِدُه المجتهِدُ دليلًا، ولكِنَّه ليس بدليلٍ في حقيقةِ الأمرِ.
وحملُ اللَّفظِ على غيرِ ظاهِرِه بغَيرِ دليلٍ ليس بتأويلٍ في الحقيقةِ، بل هو تحريفٌ وتلاعبٌ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن هذا تأويلاتُ الجَهميَّةِ والباطنيَّةِ وغُلاةِ الرَّافِضةِ لبَعضِ آياتِ القُرآنِ الكَريمِ، والقاعِدةُ المقرَّرةُ عندَ أهلِ العِلمِ: أنَّه لا يجوزُ صَرْفُ شَيءٍ من كتابِ اللهِ ولا سُنَّةِ رَسولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ظاهِرِه المتبادِرِ منه إلَّا بدليلٍ يجِبُ الرُّجوعُ إليه [148] يُنظر: ((الأسماء والصفات نَقلًا وعَقلًا)) للشنقيطي (ص: 21)، ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/87-91). .
قال ابنُ عثيمينَ عن النَّوعِ الثَّاني: (هو الذي درَجَ عليه أهلُ التَّحريفِ في صِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، مِثالُه: قَولُه تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] : ظاهِرُ اللَّفظِ أنَّ اللهَ تعالى استوى على العَرْشِ؛ استقَرَّ عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائِلٌ: معنى اسْتَوَى: استولى على العَرْشِ، فنقول: هذا تأويلٌ عندك؛ لأنَّك صرفتَ اللَّفظَ عن ظاهِرِه، لكِنْ هذا تحريفٌ في الحقيقةِ؛ لأنَّه ما دلَّ عليه دليلٌ، بل الدَّليلُ على خلافِه) [149] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/91). ويُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/197). .

انظر أيضا: