تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بينا رجُلٌ يمشي، فاشتَدَّ عليه العَطَشُ، فنَزَل بِئرًا، فشَرِب منها، ثمَّ خرج فإذا هو بكَلبٍ يلهَثُ يأكُلُ الثَّرَى من العطَشِ، فقال: لقد بلغَ هذا مِثلُ الذي بلَغ بي، فملأَ خُفَّه، ثمَّ أمسكه بفيه، ثمَّ رَقِيَ، فسقى الكَلبَ؛ فشَكَر اللهُ له، فغَفَر لهـ)) . وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((انطلق ثلاثةُ رهطٍ ممَّن كان قبلَكم حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ، فدخلوه، فانحدَرَت صَخرةٌ من الجَبَلِ فسَدَّت عليهم الغارَ، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصَّخرة إلَّا أن تَدْعوا اللهَ بصالحِ أعمالِكم. فقال رجُلٌ منهم: اللَّهمَّ كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكُنتُ لا أَغبِقُ قَبْلَهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طَلَبِ شيءٍ يومًا، فلم أُرِحْ عليهما حتَّى ناما، فحَلبْتُ لهما غَبوقَهما فوجَدْتُهما نائمَينِ، وكَرِهتُ أن أَغبِقَ قَبْلَهما أهلًا أو مالًا، فلَبِثتُ والقَدَحُ على يَديَّ أنتَظِرُ استيقاظَهما حتى بَرَق الفَجرُ، فاستيقَظا فشَرِبا غَبوقَهما، اللَّهُمَّ إنْ كنتُ فعَلْتُ ذلك ابتغاءَ وَجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرةِ، فانفرجَت شيئًا لا يستطيعونَ الخروجَ... وقال الثَّالِثُ: اللَّهمَّ إنِّي استأجرتُ أُجَراءَ، فأعطيتُهم أجرَهم غيرَ رَجُلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهَب، فثمَّرتُ أجرَه حتى كَثُرت منه الأموالُ، فجاءني بعدَ حينٍ، فقال: يا عبدَ اللهِ، أدِّ إليَّ أجري، فقُلتُ له: كلُّ ما ترى من أجرِك من الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقيقِ! فقال: يا عبدَ اللهِ، لا تستهزِئْ بي! فقُلتُ: إنِّي لا أستهزئُ بك، فأخذَه كُلَّه، فاستاقه، فلم يترُكْ منه شيئًا ...)) . عن حُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلَكم، أتاه المَلَكُ ليَقبِضَ رُوحَه، فقيل له: هل عَمِلتَ من خيرٍ؟ قال: ما أعلَمُ، قيل له: انظُرْ، قال: ما أعلَمُ شيئًا غيرَ أنِّي كنتُ أبايِعُ النَّاسَ في الدُّنيا وأجازيهم، فأُنظِرُ الموسِرَ، وأتجاوَزُ عن المُعسِرِ؛ فأدخَلَه اللهُ الجنَّةَ)) ، والمعنى: كنتُ أتقاضى الحقوقَ وأطلُبُها من النَّاسِ، وآخُذُ منهم وأعطِيهم، فأُنظِرُ الموسِرَ، أي: أُمهِلُه. وأتجاوَزُ، أي: أتسامَحُ عن المُعسِرِ الذي لا يجِدُ قَضاءً لدَينِه؛ فكان جزاءُ هذا المُحسِنِ أن أدخَله اللهُ الجنَّةَ . ومن ذلك ما رَوَته عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها في حديثِ أمِّ زَرعٍ، قالت: (قالت: جَلَس إحدى عَشرةَ امرأةً، فتعاهَدْنَ وتعاقَدْنَ أن لا يكتُمْنَ من أخبارِ أزواجِهنَّ شيئًا ...) وفيه (قالتِ الحَادِيَةَ عَشرَةَ: زَوجِي أبو زَرعٍ، وما أبو زَرعٍ؟! أنَاسَ مِن حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، ومَلَأَ مِن شَحمٍ عَضُدَيَّ، وبَجَّحَنِي فَبَجِحَت إلَيَّ نَفسِي ، وجَدَنِي في أهلِ غُنَيمَةٍ بشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي في أهلِ صَهيلٍ وأطِيطٍ ، ودَائِسٍ ومُنَقٍّ ، فعِندَه أقولُ فلا أُقَبَّحُ، وأرقُدُ فأتَصَبَّحُ ، وأَشرَبُ فأتَقَنَّحُ ... قالت: خَرَجَ أبو زَرعٍ والأوطَابُ تُمخَضُ ، فلَقِيَ امرأةً معها ولَدانِ لها كالفَهدَينِ، يَلعَبانِ من تَحتِ خَصرِها برُمَّانَتينِ، فطَلَّقَنِي ونكَحَهَا، فنَكَحتُ بَعدَه رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا ، وأخَذَ خَطِّيًّا ، وأراح عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وأعطاني من كُلِّ رائحةٍ زَوجًا ، وقال: كُلي أمَّ زَرعٍ ومِيري أهلَكِ ، قالت: فلو جَمَعتُ كُلَّ شَيءٍ أعطانِيهِ، ما بَلَغَ أصغَرَ آنِيةِ أبي زَرعٍ. قالت عائِشةُ: قال رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُنتُ لكِ كأبي زَرعٍ لأُمِّ زَرعٍ) . فالحديثُ فيه بيانٌ لحُسنِ المعاشَرةِ، والتَّأسِّي بأهلِ الإحسانِ، (ألا ترى أنَّ أمَّ زرعٍ أخبرَت عن أبى زرعٍ بحُسنِ عِشرتِه، فتمَثَّله النَّبيُّ عليه السَّلامُ) .
(8) تريدُ أنهم أصحابُ زرعٍ فيدوسونَه إذا حُصِد ويُنَقُّونه من خلطٍ ونحوِ ذلك. يُنظَر: ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (3/259).
(9) فأتصبَّحُ، أي: أنام الصُّبحةَ، وهي نومُ أوَّلِ النَّهارِ، فلا أوقَظُ؛ إشارةً إلى أنَّ لها من يكفيها مُؤنةَ بيتِها ومهنةَ أهلِها. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/268).
(10) أي: أقطعُ المشرَبَ وأتمهَّلُ فيه، وقيل: هو الشُّربُ بعد الرِّيِّ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/218).
(11) الأوطابُ: جمعُ وَطبٍ، وهي سقيةُ اللَّبنِ التي يُمخَضُ فيها، وتمخَّض، أي: تحرَّك، والمَخيضُ من اللَّبَنِ، هو الذي حُرِّك وعاؤه ليخرُجَ زُبدُه منه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/220)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/186).
(13) هو الفَرَسُ الذي يستشري في سيرِه، أي: يُلِحُّ ويمضي بلا فتورٍ ولا انكسارٍ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/220).
(14) الخطِّيُّ: الرُّمحُ منسوبٌ إلى الخَطِّ؛ قريةٍ من سِيفِ البحرِ، أي: ساحلِه عِندَ عُمانَ والبحرينِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/220).
(15) أي: أتى بها إلى مُراحِها -بضَمِّ الميمِ- هو موضِعُ مَبيتِها، والنَّعَمُ: الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ، ويحتَمِلُ أنَّ المرادَ هنا بعضُها، وهي الإبلُ، والثَّريُّ: الكثيرُ من المالِ وغيرِه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/221).
(16) رائحةٌ: أي: ممَّا يروحُ من الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والعبيدِ. وقولُها: زَوجًا، أي: اثنينِ، ويحتمِلُ أنها أرادت صِنفًا. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/221).
(17) أي: صِلِيهم وأوسِعي عليهم بالميرةِ -بكسرِ الميمِ- وهي الطعامُ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/275).