موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ مِن التَّودُّدِ عندَ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم


مِن صُورِ التَّودُّدِ عندَ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم:
- عن أبي الدَّرداء رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كُنتُ جالِسًا عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ أقبَلَ أبو بَكرٍ آخِذًا بطَرَفِ ثَوبِه حَتَّى أبدى عن رُكبَتِه! فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا صاحِبُكم فقد غامَرَ! فسلَّم وقال: إنِّي كانَ بَيني وبَينَ ابنِ الخَطَّابِ شَيءٌ فأسرَعْتُ إلَيه ثُمَّ نَدِمتُ، فسألْتُه أن يَغفِرَ لي فأبى عَليَّ، فأقبَلْتُ إليك. فقال: يَغفِرُ اللهُ لكَ يا أبا بَكرٍ «ثَلاثًا»، ثُمَّ إنَّ عُمرَ نَدِمَ فأتى مَنزِلَ أبي بَكْرٍ فسألَ: أثَمَّ أبو بَكْرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَلَّمَ عليه، فجَعلَ وَجهُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَمَعَّرُ حَتَّى أشفَقَ أبو بَكرٍ، فجثَا عَلى رُكبَتيه، فقال: يا رَسولَ اللهِ، واللَّهِ أنا كُنتُ أظلَمَ. مَرَّتينِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ بَعَثني إليكم فقَلتُم: كذَبْتَ، وقال أبو بَكرٍ: صَدَقَ، وواساني بنَفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكو لي صاحِبي؟! مَرَّتينِ. فما أوذِيَ بَعدَها)) .
ففي الحديثِ السَّعيُ إلى استِجلابِ الوُدِّ مِن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضِي اللهُ عنه، وطَلبُه لإزالةِ الشَّحناءِ مِن قلبِ عُمرَ تِجاهَه، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ.
- أيضًا كان الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم حريصينَ على أن يتَّصِفوا بهذه الصِّفةِ، فهذا أبو هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه يأتي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليدعوَ له أن يُحبِّبَه هو وأمَّه إلى المُؤمِنينَ، ويُحبِّبَ المُؤمِنينَ إليهم؛ فعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: قلْتُ: ((يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ أن يُحبِّبَني أنا وأمِّي إلى عِبادِه المُؤمِنينَ، ويُحبِّبَهم إلينا، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهمَّ حبِّبْ عُبَيدَك هذا -يعني أبا هُرَيرةَ- وأمَّه إلى عِبادِك المُؤمِنينَ، وحبِّبْ إليهم المُؤمِنينَ، فما خُلِق مُؤمِنٌ يسمَعُ بي ولا يراني إلَّا أحبَّني)) .
- وقال عبدُ اللهِ بنُ رَباحٍ: (وفَدَت وُفودٌ إلى مُعاويةَ، وذلك في رمضانَ، فكان يصنَعُ بعضُنا لبعضٍ الطَّعامَ، فكان أبو هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه ممَّا يُكثِرُ أن يدعوَنا إلى رَحلِه، فقلْتُ: ألا أصنَعُ طعامًا فأدعوَهم إلى رَحلي؟ فأمرْتُ بطعامٍ يُصنَعُ، ثُمَّ لَقيتُ أبا هُرَيرةَ مِن العَشيِّ، فقلْتُ: الدَّعوةُ عندي اللَّيلةَ، فقال: سبَقْتَني؟ قلْتُ: نعَم) ، فيه ما كان السَّلفُ عليه مِن حُسنِ التَّودُّدِ، والمُزاوَرةِ، والمُواصَلةِ، والمُكارَمةِ .
- وقال أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِي اللهُ عنه: (كنْتُ جالسًا بالمدينةِ في مجلِسِ الأنصارِ، فأتانا أبو موسى فزِعًا أو مذعورًا، قلْنا: ما شأنُك؟) ، وفيه: استِئناسُ الفَزعِ والتَّودُّدُ إلى خاطِرِه بالسُّؤالِ .
- وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي ليلى: (لَقِيني كَعبُ بنُ عُجرةَ، فقال: ألا أُهدي لك هديَّةً سمِعْتُها مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقلْتُ: بلى، فأهدِها لي...) ، أهدى إليه شيئًا مِن العِلمِ بقَصدِ التَّودُّدِ .
- وقالت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضِي اللهُ عنها لمولاها: (أيْ بُنيَّ) ، وهذا مُستحَبٌّ للتلطُّفِ والتَّودُّدِ، تعني: أنَّك عندي بمنزِلةِ ابني في الشَّفقةِ .
- عن حَفصِ بنِ عاصِمٍ قال: (مرِضْتُ مرضًا، فجاء ابنُ عُمرَ يعودُني) .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما: ((أنَّ رجُلًا مِن الأعرابِ لقِيه بطريقِ مكَّةَ، فسلَّم عليه عبدُ اللهِ، وحمَله على حمارٍ كان يركبُه، وأعطاه عِمامةً كانت على رأسِه، فقيل له: أصلَحك اللهُ! إنَّهم الأعرابُ، وإنَّهم يرضَونَ باليَسيرِ، فقال عبدُ اللهِ: إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعُمرَ بنِ الخطَّابِ، وإنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ أبَرَّ البِرِّ صلةُ الوَلدِ أهلَ وُدِّ أبيهـ)) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه البخاري (3661).
  2. (2) أخرجه مسلم (2491).
  3. (3) أخرجه مسلم (1780).
  4. (4) ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (3/ 628).
  5. (5) أخرجه البخاري (6245)، ومسلم (2153) واللفظ له.
  6. (6) ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (19/ 480).
  7. (7) أخرجه البخاري (3370) واللفظ له، ومسلم (406).
  8. (8) ((العدة)) لأبي الحسن العطار (2/ 605).
  9. (9) أخرجه البخاري (1679)، ومسلم (1291) واللفظ له.
  10. (10) ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (19/ 83).
  11. (11) أخرجه مسلم (689).
  12. (12) أخرجه مسلم (2552).