موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- عندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


يوسُفُ عليه السَّلامُ:
تأنَّى نبيُّ اللهِ يوسُفُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الخروجِ من السِّجنِ؛ حتَّى يتحقَّقَ المَلِكُ ورعيَّتُه براءةَ ساحتِه، ونزاهةَ عِرضِه، وامتنع عن المبادَرةِ إلى الخروجِ ولم يستَعجِلْ في ذلك.
قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50] .
قال ابنُ عطيَّةَ: (كان هذا الفِعلُ من يوسُفَ عليه السَّلامُ أناةً وصَبرًا وطَلَبًا لبراءةِ السَّاحةِ) .
نوحٌ عليه السَّلامُ وتأنِّيه في دعوةِ قَومِه وعَدَمُ تَعَجُّلِه:
قال تعالى على لسانِ نوحٍ عليه السَّلامُ: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [نوح: 5 - 9] .
قال الزَّمخشريُّ: (فَعَل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كما يفعَلُ الذي يأمُرُ بالمعروفِ وينهى عن المُنكَرِ في الابتداءِ بالأهوَنِ، والتَّرقِّي في الأشَدِّ فالأشَدِّ؛ فافتتح بالمناصَحةِ في السِّرِّ، فلمَّا لم يَقبَلوا ثنَّى بالمجاهَرةِ، فلمَّا لم تُؤَثِّرْ ثَلَّث بالجَمعِ بَينَ الإسرارِ والإعلانِ. ومعنى ثُمَّ الدَّلالةُ على تباعُدِ الأحوالِ؛ لأنَّ الجِهارَ أغلَظُ من الإسرارِ، والجمعَ بَينَ الأمرَينِ أغلَظُ من إفرادِ أحَدِهما) .
فنوحٌ عليه السَّلامُ توخَّى ما يظُنُّه يؤدِّي إلى نجاحِ دعوتِه، وراعى أحوالَهم في ذلك؛ فهو تارةً يدعوهم جَهرًا، وتارةً يدعوهم سِرًّا، وتارةً يجمَعُ بَينَ الأمرَينِ .
سُليمانُ عليه السَّلامُ وتأنِّيه قبلَ إنزالِ العقوبةِ بالهُدهُدِ:
قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل: 20 - 27] .
قال السَّمعانيُّ: (فيه دليلٌ على أنَّ الملوكَ يجِبُ عليهم التَّثبُّتُ فيما يُخبَرون) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) (3/252).
  2. (2) ((الكشاف)) (4/616).
  3. (3) ((التفسير الوسيط)) لمحمد سيد طنطاوي (15/115).
  4. (4) ((تفسير القرآن)) (4/91)