موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: مَسائِلُ متفَرِّقةٌ


نارُ الغَدرِ:
كانت العَرَبُ إذا غَدَرَ الرَّجُلُ بجارِه أوقَدوا له نارًا بمِنًى أيَّامَ الحَجِّ على الأخشَبِ، وهو الجَبَلُ المطِلُّ على مِنًى، ثُمَّ صاحوا: هذه غَدرةُ فُلانٍ!
 قالت امرَأةٌ من هاشِمٍ:
 فإن نَهلِكْ فلم نَعرِفْ عُقوقًا  ولم توقَدْ لنا بالغَدرِ نارُ [5069] ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (1/111).
مَثَلٌ لناقِضِ العَهدِ في القُرآنِ:
ضرَب اللهُ في ناقِضِ العهدِ مَثَلًا فقال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 92] . فقال: مَثَلُ الذي نَقضَ العَهدَ كمَثَلِ الغَزلِ التي نَقَضَت تلك المرأةُ الحَمقاءُ، كان لعَمرِو بنِ كَعبِ بنِ سَعدٍ بنتٌ تُسَمَّى ريطةَ، وكانت إذا غَزَلَت الصُّوفَ أو شَيئًا آخَرَ نَقَضتْه لحُمقِها! فقال: ولا تَنقُضوا، أي: لا تَنكُثوا العُهودَ بعدَ تَوكيدِها كما نَقَضَت تلك الحَمقاءُ غَزلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ من بعدِ إبرامِه أَنْكَاثًا يعني: نَقضًا، فلا هو غَزلٌ تَنتَفِعُ به، ولا صوفٌ يُنتَفَعُ به، فكذا الذي يُعطي العَهدَ ثُمَّ يَنقُضُه، لا هو وفى بالعَهدِ إذا أعطاه، ولا هو تَرك العَهدَ فلم يُعطِه، وضَرَبَ مَثَلًا آخَرَ لناقِضِ العَهدِ، فقال: وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 94] ، أي: عُهودَكم بالمكرِ والخَديعةِ، فتَزِلَّ قدمٌ بعدَ ثُبوتِها، يَقولُ: إنَّ ناقِضَ العَهدِ يَزِلُّ في دينِه عن الطَّاعةِ كما تَزِلُّ قدَمُ الرَّجُلِ بعدَ الاستِقامةِ [5070] ((الأمثال من الكتاب والسنة)) للحكيم الترمذي (34، 35). .
ما كان يفعَلُه أهلُ الجاهليَّةِ إذا أرادوا عَقدَ حِلفٍ:
كانوا في الجاهِليَّةِ إذا أرادوا عَقدَ حِلفٍ أوقدوا النَّارَ وعَقدوا الحِلفَ عِندَها، ويَذكُرونَ خَيرَها ويَدعون بالحِرمانِ مِن خَيرِها على من نَقَض العَهدَ وحَلَّ العَقدَ.
قال العَسكَريُّ: (وإنَّما كانوا يخصُّون النَّارَ بذلك؛ لأنَّ مَنفَعتَها تَختَصُّ بالإنسانِ لا يُشارِكُه فيها شَيءٌ من الحَيوانِ غَيرُه) [5071] ((صبح الأعشى في صناعة الإنشا)) للقلقشندي (1/466). .
قال الزَّمخشريُّ: (كانوا يوقِدونَ نارًا عِندَ التَّحالُفِ فيَدعونَ اللهَ بحِرمانِ مَنافِعِها وإصابةِ مَضارِّها على من يَنقُضُ العَهدَ ويَخيسُ بالعَقدِ، ويقولون في الحِلفِ: الدَّمُ الدَّمُ، والهَدمُ الهَدمُ، لا يَزيدُه طُلوعُ الشَّمسِ إلَّا شَدًّا، وطولُ اللَّيالي إلَّا مَدًّا، ما بَلَّ بحرُ صوفةَ، وما أقام رَضوى بمكانِه) [5072] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (1/155). .
معاني العَهدِ:
يأتي العَهدُ على عدَّةِ معانٍ، وهي [5073] ((العهد والميثاق في القرآن العظيم)) لناصر العمر (17-19). :
1- العَهدُ: الموثِقُ واليَمينُ يَحلِفُ بها الرَّجُلُ والجَمعُ، تَقولُ: عليَّ عَهدُ اللهِ وميثاقُه، وقيل: وليُّ العَهدِ؛ لأنَّه وليُّ الميثاقِ الذي يُؤخَذَ على من بايَع الخَليفةَ.
2- والعَهدُ: الوصيَّةُ، يقالُ: عَهِد إليَّ في كذا: أوصاني.
3- والعَهدُ: التَّقدُّمُ للمرءِ في الشَّيءِ، ومنه العَهدُ الذي يُكتَبُ للوُلاةِ، والجَمعُ عُهودٌ.
4- والعَهدُ: الوفاءُ والحفاظُ ورعايةُ الحُرمةِ.
5- والعَهدُ: الأمانُ، تقولُ: أنا أعهَدُك من هذا الأمرِ، أي: أؤمِّنُك منه، ومنه اشتقاقُ العُهدةِ.
6- والعَهدُ: الالتقاءُ، وعَهِد الشَّيءَ عَهدًا: عَرَفه، وعَهِدتُه بمكانِ كذا، أي: لقِيتُه، وعهدي به قريبٌ.
7- والعَهدُ: ما عَهِدتَه فثافَنْتَه، يقالُ: عهدي بفلانٍ وهو شابٌّ، أي: أدركتُه فرأيتُه كذلك.
8- والعَهدُ: المنزِلُ الذي لا يَزالُ القَومُ إذا انتَأَوا عنه رَجَعوا إليه، ويُقالُ له المعهَدُ أيضًا، وكذلك المنزِلُ المعهودُ به الشَّيءُ، يُقالُ له العَهدُ، قال ذو الرُّمَّةِ: هَل تَعرِفُ العَهدَ المُحيلَ رَسمُه [5074] الرَّسمُ: الأثَرُ، وقيل: بقيَّةُ الأثَرِ، وقيل: هو ما ليس له شَخصٌ من الآثارِ، وقيل: هو ما لصِقَ بالأرضِ منها. ورَسْمُ الدَّارِ: ما كان من آثارِها لاصقًا بالأرضِ، والجمعُ أرسُمٌ ورُسومٌ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (12/241). .
9- والعَهدُ: أوَّلُ مَطَرٍ، والوَلْيُ: الذي يليه من الأمطارِ، وقد عَهِدَت الأرضُ فهي معهودةٌ، أي: ممطورةٌ.
10- والعَهدُ: الزَّمانُ، كالعِهدانِ بالكَسرِ.
11- والعَهدُ: التَّوحيدُ.
12- والعَهدُ: الضَّمانُ.

انظر أيضا: