موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ الخيانةِ


1- خيانةُ اللهِ ورَسولِه:
 قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27 - 28] .
قال ابن حجر الهيتمي: (أمَّا خيانةُ اللهِ ورَسولِه فمَعصيتُهما، وأمَّا خيانةُ الأماناتِ فكُلُّ أحدٍ مؤتَمَنٌ على ما كلَّفه اللهُ به، فهو سُبحانَه مُوقِفُه بَيْنَ يديه، ليس بَينَه وبَينَه تَرجمانٌ، وسائِلُه عن ذلك: هل حَفِظ أمانةَ اللهِ فيه أو ضَيَّعها؟ فلْيَستعِدَّ الإنسانُ بماذا يجيبُ اللهَ تعالى به إذا سأله عن ذلك؛ فإنَّه لا مساغَ للجَحدِ ولا للإنكارِ في ذلك اليومِ، وليتأمَّلْ قَولَه تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] ، أي: لا يرشِدُ كَيدَ من خان أمانتَه، بل يحرِمُه هدايتَه في الدُّنيا، ويفضَحُه على رُؤوسِ الأشهادِ في العُقبى، فالخيانةُ قبيحةٌ في كُلِّ شيءٍ) .
2- خيانةُ النَّفسِ:
وهي أن يفعَلَ المرءُ من الذُّنوبِ ما لا يَطَّلِعُ عليه إلَّا اللهُ، ويخونَ به أمرَ اللهِ تعالى بألَّا يفعَلَ، مثلَما وقع من بعض المُسلِمين من الرَّفَثِ إلى النِّساءِ ليلةَ الصِّيامِ؛ فعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: كان المُسلِمون في شهرِ رمَضانَ إذا صلَّوا العِشاءَ حَرُم عليهم النِّساءُ والطَّعامُ في شَهرِ رمَضانَ بعدَ العِشاءِ؛ منهم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فشَكَوا ذلك إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأنزل اللهُ تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ [البقرة: 187] ، وقولُه تعالى: تَخْتَانُونَ من الاختيانِ، وهو أبلَغُ من الخيانةِ، كالاكتِسابِ من الكَسْبِ .
3- خيانةُ النَّاسِ، وهي أنواعٌ:
- الخيانةُ في الأموالِ: وتتمَثَّلُ في أكلِ المالِ الذي يؤتَمَنُ عليه الإنسانُ، ومن ذلك مالُ الوديعةِ؛ قال ابنُ عُثَيمين في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا اؤتُمِن خان)) قال: (إذا ائتَمَنه إنسانٌ على شيءٍ خانه؛ فمَثَلًا إذا أُعطِيَ وديعةً، وقيل له: خُذْها احفَظْها، دراهِمُ أو ساعةٌ أو قَلَمٌ أو متاعٌ أو غيرُ ذلك، فيستعمِلُها لنَفسِه، أو يترُكُها فلا يحفَظُها في مكانِها، أو يخبِرُ بها من يتسَلَّطُ عليه ويأخُذُها، المهِمُّ أنَّه لا يؤدِّي الأمانةَ فيها) .
ومن ذلك الخيانةُ بالتَّطفيفِ في الميزانِ، فقال سُبحانَه: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 1- 6] .
وقال تعالى حاكيًا قولَ شُعَيبٍ عليه السَّلامُ لقَومِه: أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الشعراء: 181-182] .
ومن ذلك خيانةُ الشَّريكِ لشَريكِه.
- إفشاءُ السِّرِّ: وقد تكونُ خيانةُ النَّاسِ بإفشاءِ السِّرِّ الذي يؤتَمَنُ عليه الإنسانُ.
وأكثَرُ ما تكونُ الخيانةُ في إفشاءِ الأسرارِ الخاصَّةِ، مِثلُ عَوراتِ البيوتِ، وأسرارِ العائلاتِ، والأزواجِ... فليتَّقِ اللهَ من يطَّلعُ على شيءٍ من ذلك إذا ائتمَنه عليه أصحابُ الشَّأنِ؛ لاستشارةٍ، أو لقيامٍ بَيْنَهم بصُلحٍ.
كما يكونُ ذلك الإفشاءُ وخيانةُ الأمانةِ ممَّن يطَّلِعون بحُكمِ عِلمِهم على أسرارِ النَّاسِ، كالأطبَّاءِ والمُمَرِّضاتِ، فهؤلاء يَعلَمون من أسرارِ المرضى ما لا ينبغي أن يُذاعَ، وكذلك من يقومون بغَسلِ الموتى، وتكفينِهم ودفنِهم، فقد وجَب عليهم ألَّا يخونوا أماناتِهم، وأن يحفَظوا ما عَلِموا سِرًّا .
(وقال الحسَنُ: إنَّ من الخيانةِ أن تحَدِّثَ بسِرِّ أخيك. ويُروى أنَّ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه أسَرَّ إلى الوليدِ بنِ عُتبةَ حَديثًا، فقال لأبيه: يا أبتِ، إنَّ أميرَ المُؤمِنين أسَرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسَطه إلى غيرِك. قال: فلا تحَدِّثْني به؛ فإنَّ من كتَم سِرَّه كان الخيارُ إليه، ومن أفشاه كان الخيارُ عليه. قال: فقُلتُ: يا أبتِ، وإنَّ هذا ليَدخُلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وبَينَ ابنِه؟! فقال: لا واللهِ يا بُنَيَّ، ولكِنْ أحِبُّ ألَّا تُذَلِّلَ لسانَك بأحاديثِ السِّرِّ، قال: فأتيتُ مُعاويةَ فأخبَرْتُه. فقال: يا وَليدُ، أعتَقَك أخي من رِقِّ الخَطَأِ) .
- الخيانةُ في النَّصيحةِ: ومِن صُوَرِ خيانةِ النَّاسِ كذلك الخيانةُ في النَّصيحةِ، كمَن يُزَكِّي فاسِقًا، أو يُخفي مالًا مسروقًا، أو يُؤوي مجرِمًا، أو يُعينُ قاطِعَ طَريقٍ، أو من ينصَحُ غيرَه بما يؤذيه في الدُّنيا أو الآخرةِ من الإفسادِ وقطيعةِ الرَّحِمِ .
- الخيانةُ الزَّوجيَّةِ: وهي من أبشَعِ صُوَرِ الخيانةِ: خيانةُ الزَّوجةِ لزَوجِها في مالِه وعِرضِه، بالسَّرِقةِ والزِّنا، وخيانةُ الرَّجُلِ لزوجتِه بالسَّرِقةِ والزِّنا كذلك .
- الخيانةُ في الوِلاياتِ: كأن يكونَ الإنسانُ وَليًّا على يتيمٍ؛ على مالِه وحَضانتِه وتربيتِه، فيُهمِلَ مالَه، ولا يقومَ بالواجِبِ، أو يأكُلَ مالَه، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10] .
- ومِن صُوَرِ الخيانةِ أيضًا: عَدَمُ القيامِ بواجِبِ التَّربيةِ في الأهلِ والأولادِ، وقد ائتمنه اللهُ عليهم؛ قال جَلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6] .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((الزواجر)) (1/443، 444).
  2. (2) يُنظَر: ((أخلاق المُنافِقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84).
  3. (3) يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) (6/164).
  4. (4) يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/164).
  5. (5) أخرجه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (407)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (38/271).
  6. (6) يُنظَر: ((أخلاق المُنافِقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84).
  7. (7) يُنظَر: ((أخلاق المُنافِقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84).
  8. (8) يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/164).