موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ خُلْفِ الوَعْدِ


1- الاعتِقادُ بأنَّ كُلَّ من أخلَف وَعدًا دَخَل في النِّفاقِ، وعُدَّ مُنافِقًا، وهذا خَطَأٌ؛ فقد يكونُ إخلافُ الوَعْدِ لعُذرٍ أو لسَهوٍ.
يقولُ أبو حامِدٍ الغَزاليُّ في بيانِ متى يوصَفُ مُخلِفُ الوَعْدِ بالنِّفاقِ: (وهذا يُنَزَّلُ على عزمِ الخُلْفِ أو تَركِ الوفاءِ من غيرِ عُذرٍ، فأمَّا مَن عَزَم على الوفاءِ فعَنَّ له عُذرٌ منَعَه من الوفاءِ، لم يكُنْ مُنافِقًا) .
ويقولُ ابنُ رَجَبٍ: (...أن يَعِدَ ومِن نِيَّتِه ألَّا يَفِيَ بوعدِه، وهذا أشَرُّ الخُلْفِ، ولو قال: أفعَلُ كذا إن شاء اللَّهُ تعالى ومن نيَّتِه ألَّا يفعَلَ، كان كَذِبًا وخُلفًا) .
وعن مُعاذِ بنِ العَلاءِ، قال: (سأل رجُلٌ أبا عَمرِو بنَ العلاءِ حاجةً، فوَعَده بها، ثمَّ إنَّ الحاجةَ تعَذَّرَت على أبي عَمرٍو، فلَقِيَه الرَّجُلُ بعدَ ذلك، فقال له: أبا عَمرٍو، وعَدْتَني وَعدًا فلم تُنجِزْه! فقال أبو عَمرٍو: فمَن أَولى بالغَمِّ؟ قال: أنا، قال: لا، بل أنا، قال الرَّجُلُ: وكيف ذلك، أصلَحَك اللَّهُ؟ قال: لأنِّي وعَدْتُك وعدًا فبِتَّ بفَرَحِ الوَعْدِ، وأنا بهَمِّ الإنجازِ، فبِتَّ ليلتَك فَرِحًا مسرورًا، وبِتُّ ليلتي مُفَكِّرًا مغمومًا، ثمَّ عاقَ القَدَرُ عن بلوغِ الإرادةِ، فلَقِيتَني مُدِلًّا، ولَقِيتُك مُحتَشِمًا!) .
وعن عَبدِ رَبِّه القَصَّابِ قال: (واعَدْتُ محمَّدَ بنَ سِيرينَ رحمه اللَّهُ أن أشتريَ له أضاحِيَ، فنَسِيتُ وَعدَه بشُغلٍ، ثمَّ ذكَرْتُ بَعدُ، فأتيتُه قريبًا من نصفِ النَّهارِ، وإذا محمَّدٌ ينتَظِرُني، فسَلَّمتُ عليه، ورفَع رأسَه، فقال: أمَا إنَّه قد يُقبَلُ أهوَنُ ذَنبٍ منك! فقُلتُ: شُغِلتُ، وعنَّفَني أصحابي في المجيءِ إليك، وقالوا: قد ذَهَب ولم يقعُدْ إلى السَّاعةِ. فقال: لو لم تجِئْ حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ ما قُمتُ مِن مَقعَدي هذا إلَّا للصَّلاةِ أو حاجةٍ لا بُدَّ منها) .
2- (قد اشتَهَر عِندَ بعضِ السُّفَهاءِ أنَّهم يقولون: أنا واعِدُك ولا أُخلِفُك، وعدي إنجليزيٌّ! يَظُنُّون أنَّ الذين يوفونَ بالوَعْدِ هم الإنجليزُ! ولكِنَّ الوَعْدَ الذي يُوفى به هو وَعدُ المُؤمِنِ؛ ولهذا ينبغي لك أن تقولَ إذا وعَدْتَ أحَدًا وأرَدْتَ أن تؤكِّدَ: إنَّه وَعدُ مُؤمِنٍ، حتَّى لا يخلِفَه؛ لأنَّه لا يُخلِفُ الوَعْدَ إلَّا المُنافِقُ) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((إحياء علوم الدين)) (3/133).
  2. (2) ((جامع العلوم والحكم)) (2/482).
  3. (3) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص: 82).
  4. (4) ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: 232).
  5. (5) ((شرح رياض الصالحين)) (4/ 47، 48).