تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
وردت كثيرٌ من الأحاديثِ تشيرُ إلى بعضِ ما تضمَّنَتْه صفةُ المُروءةِ من حُسنِ الخُلُقِ وجميلِ المعاشَرةِ، والتَّحذيرِ من كُلِّ ما يَشينُ الإنسانَ، ويُدَنِّسُ عِرضَه، وسنقتَصِرُ على عَرضِ بعضِ هذه الأحاديثِ: - عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قيل: يا رسولَ اللهِ، مَن أكرَمُ النَّاسِ؟ فقال: أتقاهم للهِ، قالوا: ليس عن هذا نسألُك! قال: فيوسُفُ نبيُّ اللهِ ابنُ نبيِّ اللهِ ابنِ نبيِّ اللهِ ابنِ خَليلِ اللهِ، قالوا: ليس عن هذا نسألُك! قال: فعن مَعادِنِ العربِ تسألوني؟ فإنَّ خِيارَهم في الجاهليَّةِ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا)) . قال النَّوويُّ: (معناه: أنَّ أصحابَ المروءاتِ، ومكارِمِ الأخلاقِ في الجاهليَّةِ، إذا أسلَموا وفَقُهوا فهم خيارُ النَّاسِ) . - ومن ذلك حديثُ عائشةَ أمِّ المُؤمِنين في بَدءِ الوحيِ، والذي فيه قولُ خديجةَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كَلَّا واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا؛ إنَّك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحمِلُ الكَلَّ ، وتَكسِبُ المعدومَ ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحَقِّ ...)) . قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ رَضِيَ اللهُ عنهم: معنى كلامِ خديجةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّك لا يُصيبُك مكروهٌ؛ لِما جعَل اللهُ فيك من مكارمِ الأخلاقِ وكَرَمِ الشَّمائِلِ، وذكَرَت ضروبًا من ذلك، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ مكارِمَ الأخلاقِ وخصالَ الخيرِ سَبَبُ السَّلامةِ من مصارعِ السُّوءِ) . - و((عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العَمَلِ أفضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ، وجهادٌ في سبيلِه. قُلتُ: فأيُّ الرِّقابِ أفضَلُ؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفَسُها عِندَ أهلِها. قُلتُ: فإنْ لم أفعَلْ؟ قال: تُعينُ صانِعًا، أو تصنَعُ لأخرَقَ . قال: فإنْ لم أفعَلْ؟ قال: تَدَعُ النَّاسَ من الشَّرِّ؛ فإنَّها صَدَقةٌ تَصَدَّقُ بها على نفسِك)) . ففي الحديثِ: (الحثُّ على حُسنِ المعاملةِ والمعايشةِ السِّلميَّةِ مع النَّاسِ ما أمكَن، وكَفُّ الشَّرِّ عنهم؛ فإنَّ ذلك حَسَنةٌ عظيمةٌ يثابُ عليها ثوابَ الصَّدَقةِ) . - وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((السَّاعي على الأرمَلةِ والمِسكينِ كالمجاهِدِ في سبيلِ اللهِ -وأحسَبُه قال:- وكالقائِمِ لا يَفتُرُ، وكالصَّائِمِ لا يُفطِرُ)) . قال ابنُ بطَّالٍ: (مَن عَجَز عن الجهادِ في سبيلِ اللهِ وعن قيامِ اللَّيلِ وصيامِ النَّهارِ، فلْيَعمَلْ بهذا الحديثِ ولْيَسْعَ على الأرامِلِ والمساكينِ؛ ليُحشَرَ يومَ القيامةِ في جملةِ المجاهِدين في سبيلِ اللهِ دونَ أن يخطوَ في ذلك خُطوةً، أو يُنفِقَ دِرهمًا، أو يلقى عدُوًّا يرتاعُ بلقائِه، أو ليُحشَرَ في زُمرةِ الصَّائمين والقائِمين، وينالَ درجَتَهم وهو طاعِمٌ نهارَه نائِمٌ ليلَه أيَّامَ حياتِه؛ فينبغي لكُلِّ مُؤمِنٍ أن يحرِصَ على هذه التِّجارةِ التي لا تبورُ، ويسعى على أرمَلةٍ أو مِسكينٍ لوَجهِ اللهِ تعالى، فيربحَ في تجارتِه دَرَجاتِ المجاهِدين والصَّائِمين والقائِمين من غيرِ تَعَبٍ ولا نَصَبٍ، ذلك فَضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ) . - وعن سَهلٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنا وكافِلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هكذا، وأشار بالسَّبَّابةِ والوُسطى، وفرَّج بَيْنَهما شيئًا)) . فالذي يكفُلُ اليتيمَ ويتعَهَّدُه ويُنَمِّي ثروتَه ويُهَذِّبُ نفسَه ويُعَوِّضُه عنه كافِلًا رحيمًا، وراعيًا حكيمًا؛ فلا جَرَمَ أنْ كان مكانُه عِندَ اللهِ عظيمًا، وكان حريًّا أن يكونَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجنَّةِ صاحِبًا وقرينًا، يتمتَّعُ بما فيها من النَّعيمِ كما متَّع برعايتِه اليتيمَ، وفي هذا ترغيبٌ عظيمٌ في كفالةِ الأيتامِ، والعنايةِ بأمورِهم . قال ابنُ بطَّالٍ: (حقٌّ على كُلِّ مُؤمِنٍ يَسمَعُ هذا الحديثَ أن يرغَبَ في العَمَلِ به؛ ليكونَ في الجنَّةِ رفيقًا للنَّبيِّ عليه السَّلامُ ولجماعةِ النَّبيِّينَ والمُرسَلين -صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ-، ولا منزلةَ عِندَ اللهِ في الآخِرةِ أفضَلُ من مرافقةِ الأنبياءِ) .
(3) الكَلُّ: الثِّقلُ من كُلِّ ما يُتكَلَّفُ، ويدخُلُ في حَملِ الكَلِّ الإنفاقُ على الضَّعيفِ واليتيمِ والعيالِ وغيرِ ذلك. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 201)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/ 198).
(4) أرادت: تَكسِبُ النَّاسَ الشَّيءَ المعدومَ الذي لا يجدونه مما يحتاجون إليه. وعلى هذا المعنى يكونُ ((يَكسِبُ)) متعديًا إلى مفعولينِ. وقيل: يَكسِبُ المعدومَ، أي: يَكسِبُ ما يُحرَمُه غيرُه. فيكون ((يكسِبُ)) متعديًا إلى مفعولٍ واحدٍ هو المعدومُ، كقولك: كسَبْتُ مالًا. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/ 191) (4/171).
(5) يقال: قَرَيتُ الضَّيفَ أقريِه: أطعَمْتُه، والقِرى: ما يُهَيَّأُ للضَّيفِ من طعامٍ ونُزُلٍ. يُنظَر: ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) للقاضي عياض (2/ 181).
(6) النَّوائِبُ: جمعُ نائبةٍ، وهي ما ينوبُ الإنسانَ: أي يَنزِلُ به من المهِمَّاتِ والحوادِثِ. يُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/ 123).
(7) رواه مطوَّلًا البخاري (3) واللفظ له، ومسلم (160).