موسوعة الأخلاق والسلوك

 ج- نماذِجُ من الإعراضِ عن الجاهِلينَ عِندَ الصَّحابةِ


أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
- قال رجُلٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رحمه اللهُ: لأسُبَّنَّك سبًّا يدخُلُ معك قَبْرَك، فقال: (معك واللهِ يَدخُلُ لا معي!) .
عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه:
عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ، أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (قَدِمَ عُيَينةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفةَ فَنَزَلَ علَى ابنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدنِيهِم عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِه، كُهُولًا كانوا أو شُبَّانًا، فقال عُيَينةُ لابنِ أخيه: يا ابنَ أخِي، هل لكَ وجهٌ عِندَ هذا الأمِيرِ؟ فاستَأذِنْ لي عليه، قال: سَأَستَأذِنُ لك عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فاستَأذَنَ الحُرُّ لعُيَينةَ، فأذِنَ له عُمَرُ، فلمَّا دخَلَ عليه قال: هيْ يا ابنَ الخَطَّابِ! فواللَّهِ ما تُعطِينَا الجَزلَ ولا تَحكُمُ بينَنا بالعَدلِ، فغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ أن يُوقِعَ به، فقالَ له الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤمِنينَ، إنَّ اللهَ تعالى قال لنَبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] ، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلينَ، واللهِ ما جاوَزَها عُمَرُ حينَ تَلَاها عليه، وكان وقَّافًا عِندَ كِتَابِ اللَّهِ) .
عَمرُو بنُ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه:
- قال رجُلٌ لعَمرِو بنِ العاصِ: (واللهِ لأتفَرَّغَنَّ لك. قال: هنالِك وقَعْتَ في الشُّغُلِ! قال: كأنَّك تُهَدِّدُني، واللهِ لَئِن قُلتَ لي كَلِمةً لأقولَنَّ لك عَشرًا. قال: وأنت واللهِ لَئِن قُلتَ لي عَشرًا لم أقُلْ لك واحِدةً!) .
معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنه:
أسمَعَ رَجُلٌ مَرَّةً مُعاويةَ كلامًا شديدًا، غَضِبَ منه أهلُه، فقيل له: (لو سطَوْتَ عليه، فكان نَكالًا! قال: إني لأستَحْيِي أن يَضيقَ حِلْمي عن ذَنبِ أحَدٍ مِن رَعِيَّتي) .
الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال عِصامُ بنُ المُصطَلِقِ: (دخَلْتُ المدينةَ فرأيتُ الحَسَنَ بنَ عَليٍّ، فأعجبَني سَمتُه وحُسنُ رُوائِه، فأثار مني الحَسَدَ ما كان يَجُنُّه صدري لأبيه من البُغضِ، فقلتُ: أنت ابنُ أبي طالِبٍ! قال: نعم. فبالَغْتُ في شَتمِه وشَتمِ أبيه، فنَظَر إليَّ نظرةَ عاطِفٍ رَؤوفٍ، ثمَّ قال: أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] ، فقرأ إلى قولِه: فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: 201] ، ثمَّ قال لي: خَفِّضْ عليك، أستغفِرُ اللهَ لي ولك، إنَّك لو استعَنْتَنا أعنَّاك، ولو استَرْفَدْتَنا أرفَدْناك، ولو استَرْشَدْتَنا أرشَدْناك، فتوسَّمَ فيَّ النَّدَمَ على ما فَرَط مني فقال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92] أمِن أهلِ الشَّامِ أنت؟ قُلتُ: نعم. فقال: شِنْشِنةٌ أعرِفُها مِن أخزَمِ ! حيَّاك اللهُ وبَيَّاك، وعافاك، وآدَاك ، انبَسِطْ إلينا في حوائِجِك وما يَعرِضُ لك، تجِدْنا عندَ أفضَلِ ظَنِّك إن شاء اللهُ.
قال عِصامٌ: فضاقَت عَلَيَّ الأرضُ بما رَحُبَت، ووَدِدْتُ أنَّها ساخت بي! ثمَّ تسَلَّلْتُ منه لِواذًا وما على وَجهِ الأرضِ أحَبُّ إليَّ منه ومن أبيه!) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الكامل في اللغة والأدب)) للمبرد (3/ 61).
  2. (2) أخرجه البخاري (4642).
  3. (3) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 275).
  4. (4) أخرجه ابنُ أبي الدنيا في ((حلم معاوية)) (14)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (59/179)
  5. (5) أي: يَكُنُّه. يُنظر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 62).
  6. (6) رَفَده: أعطاه وأعانه، والرِّفْدُ -بكَسرِ الرَّاءِ- العطاءُ والصِّلةُ، وبفَتْحِها المصدَرُ.  يُنظر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 125).
  7. (7) أي: تفَرَّسَ. يُنظر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 339).
  8. (8) أخزَمُ هذا رجُلٌ كان عاقًّا لأبيه ونشأ أولادُه منشأَه فآذَوا جَدَّهم، فقال: إنَّ بَنَيَّ ضَرَّجُوني بالدَّمِ   شِنْشِنةٌ أعرِفُها مِن أخْزَمِ. أي: طَبيعةٌ عَرَفْتُها مِن أخزَم ظهَرَت في بنيه. يُنظر: ((معجم متن اللغة)) لأحمد رضا (5/461).
  9. (9) أي: أعانَك وقَوَّاك. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (37/ 54).
  10. (10) أي: انخَسَفَتْ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (7/ 276).
  11. (11) أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (43/224).