موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


قَدْرُ نِعمةِ اللِّسانِ:
إنَّ اللِّسانَ مِن نِعَمِ اللَّهِ العظيمةِ ولطائِفِ صُنعِه الغريبةِ؛ فإنَّه صغيرٌ جِرمُه عظيمٌ طاعتُه وجُرمُه؛ إذ لا يستبينُ الكُفرُ والإيمانُ إلَّا بشهادةِ اللِّسانِ، ولا يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على مناخِرِهم إلَّا حصائِدُ ألسنتِهم، ولا ينجو من شَرِّ اللِّسانِ إلَّا من قيَّده بلِجامِ الشَّرعِ .
خصالُ اللِّسانِ المحمودةُ:
في اللِّسانِ خِصالٌ محمودةٌ، وهي: (أداةٌ يظهَرُ بها البيانُ، وشافِعٌ تُدرَكُ به الحاجةُ، وواصِفٌ تُعرَفُ به الأشياءُ، وواعِظٌ يُنتهى به عن القبيحِ، ومُعَزٍّ تَسكُنُ به الأحزانُ، ومُلاطِفٌ تَذهَبُ به الضَّغينةُ، ومُوَفَّقٌ يُلهى به الأسماعُ) .
خَطَرُ اللِّسانِ:
ينبغي على المُسلِمِ أن يخشى من سطوةِ لِسانِه؛ فإنَّ خَطَرَه عظيمٌ على نفسِه وعلى الآخَرينَ؛ ولذلك حذَّر العُلَماءُ من خطورتِه أشَدَّ التَّحذيرِ.
قال المحاسِبيُّ: (خَفْ يا أخي من لسانِك أشَدَّ من خوفِك من السَّبُعِ الضَّاري القريبِ المتمَكِّنِ من أخْذِك؛ فإنَّ قتيلَ السَّبُعِ من أهلِ الإيمانِ ثوابُه الجنَّةُ، وقتيلُ اللِّسانِ عُقوبتُه النَّارُ إلَّا أن يعفوَ اللَّهُ.
فإيَّاك يا أخي والغَفلةَ عن اللِّسانِ؛ فإنَّه سَبُعٌ ضارٍ، وأوَّلُ فريستهِ صاحِبُه؛ فأغلِقْ بابَ الكلامِ من نفسِك بغَلَقٍ وثيقٍ، ثمَّ لا تفتَحْه إلَّا فيما لا بُدَّ لك منه، فإذا فتَحْتَه فاحذَرْ وخُذْ من الكلامِ حاجَتَك التي لا بُدَّ لك منها، وأغلِقِ البابَ، وإيَّاك والغفلةَ عن ذلك، والتَّماديَ في الحديثِ، وأن يستَمِدَّ بك الكلامُ فتُهلِكَ نفسَك)
وقال الغَزاليُّ: (أعصى الأعضاءِ على الإنسانِ اللِّسانُ؛ فإنَّه لا تَعَبَ في إطلاقِه ولا مُؤنةَ في تحريكِه، وقد تساهَل الخَلقُ في الاحترازِ عن آفاتِه وغوائِلِه، والحَذَرِ من مصائِدِه وحبائِلِه، وإنَّه أعظَمُ آلةٍ للشَّيطانِ في استغواءِ الإنسانِ) .
وقال أيضًا: (واللِّسانُ رَحْبُ الميدانِ، ليس له مَرَدٌّ، ولا لمجالِه منتهًى وحَدٌّ. له في الخَيَرِ مجالٌ رَحْبٌ، وله في الشَّرِّ ذَيلٌ سَحبٌ، فمن أطلَقَ عَذَبةَ اللِّسانِ ، وأهملَه مُرخى العِنانِ، سَلَك به الشَّيطانُ في كُلِّ مَيدانٍ، وساقه إلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، إلى أن يَضطَرَّه إلى البَوارِ، ولا يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على مناخِرِهم إلَّا حصائِدُ ألسِنَتِهم، ولا ينجو من شَرِّ اللِّسانِ إلَّا مَن قَيَّده بلِجامِ الشَّرعِ، فلا يُطلِقُه إلَّا فيما ينفَعُه في الدُّنيا والآخرةِ، ويَكُفُّه عن كُلِّ ما يَخشى غائِلتَه في عاجِلِه وآجِلِهـ) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 108).
  2. (2) ((أدب المجالسة)) لابن عبد البر (ص: 47).
  3. (3) ((آداب النفوس)) (ص: 43).
  4. (4) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 108).
  5. (5) عَذَبةُ اللِّسانِ: طَرَفُه. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 304).
  6. (6) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 108).