ب- نماذِجُ من حُسنِ العِشْرةِ والجِوارِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَسِنَ العِشْرةِ جميلَ الصُّحبةِ؛ قال تعالى:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] ، فوصفه اللهُ تعالى بحُسنِ العِشْرةِ وكريمِ الصُّحبةِ
، يقولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
((خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي))
، فهذا إعلامٌ للعبادِ بما كان عليه من حُسنِ العِشْرةِ؛ ليقتَدوا به
.
1- عن
أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رجُلًا قال: يا رسولَ اللَّهِ، أين أبي؟ قال:
((في النَّارِ، فلمَّا قفَّى دعاه، فقال: إنَّ أبي وأباك في النَّارِ))
.
قال
النَّوويُّ: (هو من حُسنِ العِشْرةِ؛ للتَّسليةِ بالاشتراكِ في المصيبةِ)
.
2- واستَمَعَ إلى
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها تخبِرُه بحديثِ أمِّ زَرعٍ الطَّويلِ
، قال
الخطَّابيُّ: (وفيه من العِلمِ حُسنُ العِشْرةِ مع الأهلِ، واستحبابُ محادثتِهم بما لا إثمَ فيهـ)
.
3- وقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((عُرِضَتْ عليَّ الأمَمُ، فرَأيتُ النَّبيَّ ومَعَه الرُّهَيطُ، والنَّبيَّ ومَعَه الرَّجُلُ والرَّجُلانِ ... فإذا سَوادٌ عَظيمٌ، فقيلٌ لي: هذه أمَّتُك ومَعَهم سَبعونَ ألفًا يَدخُلونَ الجَنَّةَ بغَيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ... فقامُ عُكَّاشةُ بنُ مِحصَنٍ فقالَ: ادْعُ اللهَ أن يَجعَلَني منهم. فقال: أنت منهم، ثُمَّ قامَ رَجُلٌ آخَرُ، فقال: ادْعُ اللهَ أن يَجعَلَني منهم. فقال: سَبَقَك بها عُكَّاشةُ))
، قيل: أجابه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما كان عليه من حُسنِ العِشْرةِ وجميلِ الصُّحبةِ بكلامٍ محتَمَلٍ ولفظٍ مُشتَرَكٍ؛ فهو من بابِ المعاريضِ الجائزةِ، ولم يرَ التَّصريحَ له بأنَّك لستَ منهم ولا مُستَحِقًّا لتلك المنزلةِ
.
4- وعن
أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((سألتِ امرأةٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن المرأةِ ترى في منامِها ما يرى الرَّجُلُ في منامِه، فقال: إذا كان منها ما يكونُ من الرَّجُلِ فلتغتَسِلْ))
، وهذا من حُسنِ العِشْرةِ، ولُطفِ الخطابِ، واستعمالُ اللَّفظِ الجميلِ مَوضِعَ اللَّفظِ الذي يُستحيا منه في العادةِ
.
5- وعن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
((أنَّ جَدَّتَه مُلَيكةَ دعَت رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطعامٍ صنعَته له، فأكل منه، ثُمَّ قال: قوموا فلأُصلِّي بكم، فقمْتُ إلى حَصيرٍ لنا قد اسوَدَّ مِن طولِ ما لُبِس
فنضَحَتْه بماءٍ، فقام عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصفَفْتُ أنا واليتيمُ))
. فيه: ما كان عليه من حُسنِ الخُلُقِ وحُسنِ العِشْرةِ والتَّواضُعِ، وإجابةِ المحتاجين، والانبساطِ مع الضُّعَفاءِ، وحُسنِ العِشْرةِ مع الصَّغيرِ والكبيرِ
.
6- قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((قد أجَرْنا من أجَرْتِ
يا أمَّ هانئٍ))
، فيه من حُسنِ العِشْرةِ وتطييبِ النَّفسِ وجميلِ المخاطَبةِ ما فيه
.
7- قال
جابِرُ بنُ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: (وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا سهلًا، إذا هَوِيَتِ الشَّيءَ تابَعَها عليهـ)
، يعني:
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، وفيه حُسنُ العِشْرةِ مع الأزواجِ ومُساعدتُهنَّ، لا سيَّما فيما هو من بابِ الطَّاعاتِ، وما كان عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الخُلُقِ العظيمِ
.
8- عن
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت: (كنتُ ألعَبُ بالبناتِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان لي صواحِبُ يلعَبْنَ معي، فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهنَّ إليَّ فيلعَبْنَ معي)
، وفيه دلالةٌ على استحبابِ المساهلةِ في العِشْرةِ مع الأهلِ والأطفالِ
.