ثامِنًا: تَقديمُ الأقرَبِ فالأقرَبِ
تُستَحَبُّ البُداءةُ في الإنفاقِ بالأقرَبِ فالأقرَبِ
[80] قال ابنُ تَيميَّةَ: (إن كان مالُ الإنسانِ لا يَتَّسِعُ للأقارِبِ والأباعِدِ فإنَّ نَفَقةَ القَريبِ واجِبةٌ عليه، فلا يُعطى البَعيدُ ما يَضُرُّ بالقَريبِ. وأمَّا الزَّكاةُ والكَفَّارةُ فيَجوزُ أن يُعطى مِنها القَريبُ الذي لا يُنفقُ عليه، والقَريبُ أَولى إذا استَوتِ الحالةُ). ((مجموع الفتاوى)) (34/ 107). مِمَّا زادَ عن حاجاتِ المَرءِ الضَّروريَّةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:أ- مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى:
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة: 215] ..
(أي: يَسألُك أصحابُك -يا مُحَمَّدُ- عَمَّا يُنفَقُ جِنسًا ومِقدارًا وكَيفيَّةً، فأجابَهمُ اللهُ تعالى عن ذلك بأنَّ ما تُنفِقونَه مِنَ الأموالِ لا يُشتَرَطُ فيه شَيءٌ مُعَيَّنٌ، ولا مِقدارٌ مُحَدَّدٌ، بَل يَشمَلُ أيَّ مالٍ، وسَواءٌ كان قَليلًا أم كَثيرًا، وأنَّ أَولى وأحَقَّ مَن تُنفَقُ عليه الأموالُ هم أقرَبُ النَّاسِ رَحِمًا، وهمُ الوالِدانِ، ثُمَّ بَقيَّةُ الأقارِبِ، الأقرَبُ فالأقرَبُ، ثُمَّ تُصرَفُ إلى أشَدِ النَّاسِ حاجةً مِن بَعدِهم، وهمُ الصِّغارُ الذينَ فَقَدوا آباءَهم قَبلَ بُلوغِهم ولا كاسِبَ لهم، ثُمَّ للمَساكينِ الذينَ لا يَجِدونَ ما يَكفيهم ويُغنيهم، وكَذا للمُسافِرِ المُجتازِ الذي يَحتاجُ نَفَقةً توصِلُه لمَوطِنِه.
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ أي: إنَّ كُلَّ ما تُقدِّمونَه مِن مَعروفٍ وبِرٍّ وإحسانٍ وطاعةٍ وقُربةٍ للهِ تعالى، فإنَّه لا يَخفى عليه، بَل مُطَّلِعٌ على أعمالِكُم، يُحصيها لكُم، ويُجازيكُم عليها)
[81] ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (1/ 616). .
2- قال تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: 219] .
(أي: يَسألُك المُؤمِنونَ يا مُحَمَّدُ: أيَّ شَيءٍ يُنفِقونَ مِن أموالِهم، فيَتَصَدَّقونَ به؟ فأجِبْهم بأنَّ مَن أرادَ مِنهم أن يُنفِقَ في سَبيلِ اللهِ تعالى، فليَتَصَدَّقْ مِمَّا زادَ عن حاجاتِه الضَّروريَّةِ)
[82] ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (1/ 623). .
قال السُّيوطيُّ: (
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قال ابنُ عبَّاسٍ: الفَضلَ عنِ العيالِ... ففيه تَحريمُ الصَّدَقةِ بما يَحتاجُ إليه لنَفَقةِ مَن تَلزَمُه نَفقَتُه، واستَدَلَّ به سُحنونُ على مَنعِ أن يَهَبَ الرَّجُلُ مالَه بحَيثُ لا يَبقى له ما يَكفيهـ)
[83] ((الإكليل في استنباط التنزيل)) (ص: 50). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، عِندي دينارٌ، فما أصنَعُ به؟ قال: أنفِقْه على نَفسِك. قال: عِندي آخَرُ، فما أصنَعُ به؟ قال: أنفِقْه على أهلِك. قال: عِندي آخَرُ، قال: أنفِقْه على وَلَدِك. قال: عِندي آخَرُ، فما أصنَعُ به؟ قال: أنفِقْه على خادِمِك. قال: عِندي آخَرُ، فما أصنَعُ به، قال: أنتَ أعلمُ)) [84] أخرجه ابن حبان (4233) واللفظ له، والحميدي (1210)، والبيهقي (15788). صَحَّحه ابنُ حبان، وابن حَزمٍ في ((المُحَلَّى)) (10/105)، وابن المُلقِّنِ في ((البدر المنير)) (8/310)، وحَسَّنه النووي في ((المجموع)) (6/234)، وحَسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (4233)، وقال ابنُ حَجَرٍ في ((هداية الرواة)) (2/304): أصلُه في الصَّحيحِ. وأصلُه في صحيح مسلم (995) بلفظِ: ((دينارٌ أنفقتَه في سَبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَه في رَقَبةٍ، ودينارٌ تَصَدَّقتَ به على مِسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك: أعظَمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك)). .
وفي رِوايةٍ:
((أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّدَقةِ، فقال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، عِندي دينارٌ، فقال: تَصَدَّقْ به على نَفسِك. قال: عِندي آخَرُ، قال: تَصَدَّقْ به على ولَدِك. قال: عِندي آخَرُ، قال: تَصَدَّقْ به على زَوجَتِك، أو قال: زَوجِك. قال: عِندي آخَرُ، قال: تَصَدَّقْ به على خادِمِك. قال: عِندي آخَرُ، قال: أنتَ أبصَرُ)) [85] أخرجه أبو داود (1691) واللَّفظُ له، والنسائي (2535)، وأحمد (7419). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (4233)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1534)، وابن حزم في ((المحلى)) (10/105)، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2535): حَسَنٌ صحيحٌ. وأصلُه في صحيح مسلم (995) بلفظِ: ((دينارٌ أنفقتَه في سَبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَه في رَقَبةٍ، ودينارٌ تَصَدَّقتَ به على مِسكينٍ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك: أعظَمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك)). .
2- عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((ابدأْ بنَفسِك فتصدَّقْ عليها، فإن فضَل شيءٌ فلأهلِك، فإن فضَل عن أهلِك شيءٌ فلذي قَرابتِك، فإنْ فضَل عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا وهكذا، يقولُ: فبَينَ يدَيك، وعن يمينِك، وعن شِمالِك)) [86] أخرجه مسلم (997). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((خَيرُ الصَّدَقةِ ما بَقَّى غِنًى، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى، وابدَأْ بمَن تَعولُ))، تَقولُ امرَأتُك: أنفِقْ عَلَيَّ أو طَلِّقْني، ويَقولُ مملوكُك: أنفِقْ عَلَيَّ أو بِعْني، ويَقولُ وَلَدُك: إلى مَن تَكِلُنا؟
[87] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (196) واللفظ له، وابن خزيمة (2436)، وابن حبان (3363). صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (881)، وقال ابن حجر في ((تسديد القوس)) (4/509): أصلُه في الصَّحيحِ. وحَسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3363) وقال: قَولُه "تَقولُ امرَأتُه: أنفِقْ عليَّ ..."هو مِن كَلامِ أبي هرَيرةَ، أدرَجَه في الحَديثِ، يُبَيِّنُه ما في رِوايةِ البخاريِّ: قالوا: يا أبا هرَيرةَ، سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: لا، هذا مِن كيسِ أبي هرَيرةَ. وأصلُه في صحيح البخاري (5355) عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أفضَلُ الصَّدَقةِ ما تَرَكَ غِنًى، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى، وابدَأْ بمَن تَعولُ)). تَقولُ المَرأةُ: إمَّا أن تُطعِمَني، وإمَّا أن تُطَلِّقَني، ويَقولُ العَبدُ: أطعِمْني واستَعمِلْني، ويَقولُ الابنُ: أطعِمْني، إلى مَن تَدَعُني؟! فقالوا: يا أبا هرَيرةَ، سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: لا، هذا مِن كيسِ أبي هرَيرةَ. وأخرجه أحمد (10818)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9167)، والبيهقي (15807) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ أحمَدَ: عن أبي هرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((خَيرُ الصَّدَقةِ ما كان مِنها عن ظَهرِ غِنًى، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى، وابدَأْ بمَن تَعولُ، فقيل: مَن أعولُ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: "امرَأتُك مِمَّن تعولُ، تَقولُ: أطعِمْني وإلَّا فارِقْني. وجاريَتُك تَقولُ: أطعِمْني واستَعمِلْني، وولَدُك يَقولُ: إلى مَن تَترُكُني؟)). صَحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10818) وقال: وقَولُه: "امرَأتك تَقولُ... إلخ" فمَوقوفٌ، وصَحَّح إسنادَه ابنُ الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/255). وفي رِوايةٍ: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أفضَلُ الصَّدَقةِ ما تَرَكَ غِنًى، واليَدُ العُليا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلى، وابدَأْ بمَن تَعولُ)). تَقولُ المَرأةُ: إمَّا أن تُطعِمَني، وإمَّا أن تُطَلِّقَني، ويَقولُ العَبدُ: أطعِمْني واستَعمِلْني، ويَقولُ الابنُ: أطعِمْني، إلى مَن تَدَعُني؟ فقالوا: يا أبا هرَيرةَ، سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: لا، هذا مِن كيسِ أبي هرَيرةَ.
[88] أخرجه البخاري (5355). قال ابنُ الملقن في ((شرح البخاري)) (26/14): وقَولُه: (هذا مِن كيسِ أبي هرَيرةَ). أي: مِن قَولِه، يَعني: تَقولُ المَرأةُ إلى آخِرِه. قَولُه:
((أفضَلُ الصَّدَقةِ ما تَرَكَ غِنًى)) أي: خَيرُ ما تَصَدَّقتَ به الفَضلُ عن قوتِ عِيالِك وكِفايَتِهم
[89] ((شرح السنة)) للبغوي (6/ 179). ، فيُترَكُ غِنًى للمُتَصَدِّقِ، ألَا تَراه يَقولُ:
((وابدَأْ بمَن تَعولُ))، أي: لا تُضَيِّعْ عِيالَك وتَفَضَّلَ على غَيرِك
[90] ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 78). .
قال عياضٌ: (قَولُه: «خَيرُ الصَّدَقةِ ما كان عن ظَهرِ غِنًى، وابدَأْ بمَن تَعولُ»: دَليلٌ على تَقديمِ حَقِّ النَّفسِ والأهلِ، وأنَّ الصَّدَقةَ إنَّما تَكونُ بَعدَ إحرازِ قُوتِ نَفسِ الإنسانِ وقُوتِ أهلِه؛ لأنَّ حَقَّ نَفسِه وحَقَّهم مُتَعَيِّنٌ عليه وفَرضٌ، والصَّدَقةُ والمواساةُ مُرَغَّبٌ فيها)
[91] ((إكمال المعلم)) (3/ 567). .
4- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((دينارٌ أنفَقتَه في سَبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفَقتَه في رَقَبةٍ، ودينارٌ تَصَدَّقتَ به على مِسكينٍ، ودينارٌ أنفَقتَه على أهلِك، أعظَمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلِك)).
[92] أخرجه مسلم (995). 5- عن أبي قِلابةَ، عن أبي أسماءَ، عن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أفضَلُ دينارٍ يُنفِقُه الرَّجُلُ دينارٌ يُنفِقُه على عِيالِه، ودينارٌ يُنفِقُه الرَّجُلُ على دابَّتِه في سَبيلِ اللهِ، ودينارٌ يُنفِقُه على أصحابِه في سَبيلِ اللهِ))، قال أبو قِلابةَ: وبَدَأ بالعيالِ، ثُمَّ قال أبو قِلابةَ: وأيُّ رَجُلٍ أعظَمُ أجرًا مِن رَجُلٍ يُنفِقُ على عِيالٍ صِغارٍ يُعفُّهم أو يَنفَعُهمُ اللَّهُ به، ويُغنيهم؟!
[93] أخرجه مسلم (994). 6- عن طارِقِ بنِ عَبدِ اللهِ المُحارِبيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((... قَدِمْنا المَدينةَ فإذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائِمٌ يَخطُبُ النَّاسَ على المِنبَرِ، فسَمِعتُه يَقولُ: يَدُ المُعطي العُليا، وابدَأْ بمَن تَعولُ: أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، وأدناك أدناك)) [94] أخرجه النسائي (2532)، وابن حبان (6562) باختلافٍ يسيرٍ، والحاكم (4271) واللفظ له. صحَّحه ابنُ حِبَّانَ، والدارقطني كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (342)، وابن حزم في ((المحلى)) (9/112، 10/105)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2532). .
7- عن أبي رِمْثةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَخطُبُ ويَقولُ: يَدُ المُعطي العُليا، أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، وأدناك فأدناك)) [95] أخرجه أحمد (17495) واللفظ له، والطبراني (22/283) (725)، والحاكم (7451). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (8067)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17495)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (12/58). .
8- عن سَلمانَ بنِ عامِرٍ الضَّبِّيِّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الصَّدَقةُ على المِسكينِ صَدَقةٌ، وعلى ذي القَرابةِ اثنَتانِ: صَدَقةٌ، وصِلةٌ)) [96] أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (2582)، وابن ماجه (1844) واللَّفظُ له. صحَّحه ابنُ خزيمة في ((صحيحهـ)) (4/131)، وابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (3344)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/411) والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (1844)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (3344). .
9- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كان أبو طَلْحةَ أكثَرَ الأنصارِ بالمدينةِ مالًا مِن نَخلٍ، وكان أحبُّ أموالِه إليه بَيْرُحَاءَ، وكانت مُستَقبِلةَ المسجِدِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُها ويَشرَبُ من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنَسٌ: فلمَّا أُنزِلَت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] قام أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ اللهَ يقولُ في كِتابِه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاءُ، وإنَّها صَدَقةٌ للهِ، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عندَ اللهِ، فضَعْها يا رسولَ اللهِ حيثُ أراك اللهُ. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخْ! ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابِحٌ! وقد سَمِعْتُ ما قُلتَ، وإنِّي أرى أن تجعَلَها في الأقرَبينَ. فقال أبو طلحةَ: أفعَلُ يا رسولَ اللهِ. فقسَمها أبو طلحةَ في أقارِبِه وبني عَمِّهـ)) [97] أخرجه البخاري (2769) واللفظ له، ومسلم (998). .
وفي رِوايةٍ عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((لمَّا نَزَلت هذه الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] ، قال أبو طَلحةَ: أرى رَبَّنا يَسألُنا مِن أموالِنا، فأُشهِدُك يا رَسولَ اللهِ أنِّي قَد جَعَلتُ أرضي بَرِيحَا للَّهِ، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اجعَلْها في قَرابَتِك. قال: فجَعَلها في حَسَّانَ بنِ ثابتٍ وأُبَيِّ بنِ كَعبٍ)) [98] أخرجها مسلم (998). .
10- عن كُرَيبٍ مَولى ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ ميمونةَ بنتَ الحارِثِ رَضِيَ اللهُ عنها أخبَرَته
((أنَّها أعتَقَت وليدةً [99] الوَليدةُ: الجاريةُ، وجمعُها ولائِدُ، وقد تُطلَقُ الوليدةُ على الجاريةِ والأَمَةِ وإن كانت كبيرةً. ينظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 433)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 225). ولم تَستَأذِنِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا كان يَومُها الذي يَدورُ عليها فيه، قالت: أشعَرتَ يا رَسولَ اللهِ أنِّي أعتَقتُ وليدَتي؟ قال: أوَفعَلتِ؟! قالت: نَعَم، قال: أمَا إنَّكِ لو أعطيتِيها أخوالَكِ كان أعظَمَ لأجرِكِ)) [100] أخرجه البخاري (2592) واللفظ له، ومسلم (999). .
وفي رِوايةٍ:
((لو وصَلتِ بَعضَ أخوالِك كان أعظَمَ لأجرِك)) [101] أخرجها البخاري (2594). .