موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: تَيسيرُ أُمورِ العُمَلاءِ وعَدَمُ المشَقَّةِ عليهم


إذا كان الموظَّفُ يَتَعامَلُ مَعَ جُمهورٍ فمَطلوبٌ مِنه أن يُيَسِّرَ أُمورَهم، ويَرفُقَ بهم، ويَحرُمُ أن يَشُقَّ عليهم، أو يُعَطِّلَ مَصالِحَهم، أو يَحتَجِبَ دونَهم.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1-عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في بَيتي هذا: ((اللهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فرَفَقَ بهم فارفُقْ بهـ)) [157] أخرجه مسلم (1828). .
2-عن أبي صِرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن ضارَّ أضَرَّ اللَّهُ به، ومَن شاقَّ شَقَّ اللَّهُ عليهـ)) [158] أخرجه أبو داود (3635) واللفظ له، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342). حَسَّنَه ابنُ تيمية في ((بيان الدليل)) (608)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3635)، وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/133): مَوصولٌ. وذَهَبَ إلى تَصحيحِه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3635). .
3-عن أبي مَريَمَ الأزديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن ولَّاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ شَيئًا مِن أمرِ المُسلِمينَ فاحتَجَبَ دونَ حاجَتِهم وخَلَّتِهم [159] الخَلَّةُ -بفتحِ الخاءِ-: الحاجةُ. وقيلَ: الخَلَّةُ والفقرُ مُتَماثِلانِ، إلَّا أنَّ الخَلَّةَ أشَدُّ. وقيلَ: الفرقُ بَينَ الحاجةِ والخَلَّةِ والفَقرِ: أنَّ الحاجةَ: ما يَهتَمُّ به الإنسانُ وإن لَم يَبلُغْ حَدَّ الضَّرورةِ، بحَيثُ لَو لَم يَحصُلْ لاختَلَّ به أمرُه. والخَلَّةُ: ما كان كذلك، مَأخوذةٌ مِنَ الخَلَلِ، ولَكِن رُبَّما لم يَبلُغْ حَدَّ الِاضطِرارِ، بحَيثُ لَو لَم يوجَدْ لامتَنَعَ التَّعَيُّشُ. والفقرُ: هو الِاضطِرارُ إلى ما لا يُمكِنُ التَّعَيُّشُ دونَه، مَأخوذٌ مِنَ الفَقارِ، كَأنَّه كُسِرَ فَقارُه؛ ولِذلك فُسِّرَ الفقيرُ بالذي لا شَيءَ لَه أصلًا. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 53)، ((الميسر)) للتوربشتي (3/ 860)، ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 311)، ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 558)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2592). وفَقرِهم، احتَجَبَ اللَّهُ عنه دونَ حاجَتِه وخَلَّتِه وفَقرِهـ)) [160] أخرجه أبو داود (2948) واللفظ له، والترمذي (1333). صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (2948)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1249)، وصَحَّحَ إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7222)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/568)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2948). .
وفي رِوايةٍ: ((ما مِن والٍ يُغلِقُ بابَه عن ذي الخَلَّةِ والحاجةِ والمَسكَنةِ، إلَّا أغلَقَ اللهُ أبوابَ السَّماءِ دون خَلَّتِه وحاجَتِه ومَسكَنَتِهـ)) [161] أخرجها الترمذي (1332)، وأحمد (../82) واللَّفظُ له، من حديثِ أبي مَريَم عَمرِو بنِ مُرَّةَ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحها لغيرها الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2208)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (../82). .
قال المظهَريُّ: (يَعني: كُلُّ أميرٍ أغلَقَ البابَ على وَجهِه، أو أقامَ على بابِه حاجِبًا وشُرَطًا ليَمنَعوا المُسلِمينَ عنِ الدُّخولِ عليه، ولَم يَقضِ حَوائِجَ المُسلِمينَ، فَعَل اللهُ به يَومَ القيامةِ مِثلَ ما فعَلَ بالمُسلِمينَ) [162] ((المفاتيح)) للمظهري (4/ 311). .
وقال البَيضاويُّ: (المُرادُ باحتِجابِ الوالي: أن يَمنَعَ أربابَ الحَوائِجِ والمُهمَّاتِ أن يَلِجوا عليه فيَعرِضوها، ويَعسُرُ عليهم إنهاؤُها) [163] ((تحفة الأبرار)) (2/ 558). .
وقال القاريُّ: («مَن ولَّاه اللهُ شَيئًا مِن أمرِ المُسلِمينَ فاحتَجَبَ دونَ حاجَتِهم» أيِ: امتَنَعَ مِنَ الخُروجِ، أو مِنَ الإمضاءِ عِندَ احتياجِهم إليه «وخَلَّتِهم» أي: وعَرْضِ شِكايَتِهم عليه «وفَقرِهم» أي: ومَسكَنَتِهم ومُساءلَتِهم لَدَيه، يَعني احتِقارًا بهم وعَدَمَ مُبالاةٍ بشَأنِهم «احتَجَبَ اللَّهُ دونَ حاجَتِه وخَلَّتِه وفَقرِه» أي: أبعَدَه ومَنعَه عَمَّا يَبتَغيه مِنَ الأُمورِ الدِّينيَّةِ أوِ الدُّنيَويَّةِ، فلا يَجِدُ سَبيلًا إلى حاجةٍ مِن حاجاتِه الضَّروريَّةِ) [164] ((مرقاة المفاتيح)) (6/ 2423). .

انظر أيضا: