موسوعة الآداب الشرعية

ثالثًا: الرِّفقُ وحُسنُ السِّياسةِ وعَدَمُ المشَقَّةِ


يَنبَغي للرَّئيسِ أن يَكونَ رَفيقًا، حَسَنَ السِّياسةِ مَعَ مرؤوسيه، وألَّا يَشُقَّ عليهم.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- من الكتاب
قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1-عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ الرِّفقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا يُنزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهـ)) [22] أخرجه مسلم (2594). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يا عائِشةُ، إنَّ اللَّهَ رَفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سِواهـ)) [23] أخرجه مسلم (2593). .
3- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أُعطيَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقَد أُعطيَ حَظَّه مِنَ الخيرِ، ومَن حُرِمَ حَظَّه مِنَ الرِّفقِ فقَد حُرِمَ حَظَّه مِنَ الخيرِ)) [24] أخرجه الترمذي (2013) واللَّفظُ له، وأحمد (27553) مُطوَّلًا دونَ ذِكرِ "ومَن حُرِمَ..". صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2013)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ، وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27553): بعضُه صحيحٌ، وبعضُه صحيحٌ لغَيرِه .
4- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ شَماسةَ، قال: أتَيتُ عائِشةَ أسألُها عن شَيءٍ، فقالت: مِمَّن أنتَ؟ فقُلتُ: رَجُلٌ مِن أهلِ مِصرَ، فقالت: كَيف كان صاحِبُكُم لَكُم في غَزاتِكم هذه؟ فقال: ما نَقَمنا مِنه شَيئًا، إن كان ليَموتُ للرَّجُلِ مِنَّا البَعيرُ فيُعطيه البَعيرَ، والعَبدُ فيُعطيه العَبدَ، ويَحتاجُ إلى النَّفقةِ فيُعطيه النَّفقةَ، فقالت: أمَا إنَّه لا يَمنَعُني الذي فعَلَ في مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ أخي أن أُخبِرَكَ ما سَمِعتُ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَقولُ في بَيتي هذا: ((اللهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فشَقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومَن وليَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئًا فرَفَقَ بهم فارفُقْ بهـ)) [25] أخرجه مسلم (1828). .
5-عن أبي صِرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن ضارَّ أضَرَّ اللَّهُ به، ومَن شاقَّ شَقَّ اللَّهُ عليهـ)) [26] أخرجه أبو داود (3635) واللَّفظُ له، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342). حَسَّنَه ابنُ تيميَّة في ((بيان الدليل)) (608)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3635)، وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/133): مَوصولٌ وذَهَبَ إلى تَصحيحِه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3635). .
6-عنِ الحَسَنِ، أنَّ عائِذَ بنَ عَمرٍو -وكان مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- دَخَلَ على عُبَيدِ اللهِ بنِ زيادٍ، فقال: أي بُنيَّ، إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ [27] الرِّعاءُ: جَمعُ راعٍ، كَما يُقالُ: صاحِبٌ وصِحابٌ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 30). الحُطَمةُ [28] الحُطَمةُ: يَعني الذي يَكونُ عنيفًا برَعيِه الإبِلَ، يَحطِمُها يُلقي بَعضَها على بَعضٍ، ويُقالُ أيضًا: حُطَمٌ، بلا هاءٍ. ومِنه قَولُ الحَجَّاجِ في خُطبَتِه: قد لَفَّها اللَّيلُ بسَواقٍ حُطَم، والحَطمُ: السَّوْقُ بعُنفٍ، كَأنَّه يَحطِمُ بَعضَ الإبِلِ ببَعضٍ، وأصلُ الحَطمِ كَسرُ الشَّيءِ اليابِسِ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (3/ 51). )، فإيَّاكَ أن تَكونَ مِنهم، فقال لَه: اجلِسْ فإنَّما أنتَ مِن نُخالةِ [29] يَعني: لَستَ مِن صَفوِهم ولِبابِهم ومَشاهيرِهم، وإنَّما أنتَ مِن حَشوِهم وسَقَطِهم. والنُّخالةُ: ما يُنخَلُ عنِ الدَّقيقِ مِن قُشورِه ونُفايَتِه. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 232). أصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فقال: وهَل كانت لَهم نُخالةٌ؟! إنَّما كانتِ النُّخالةُ بَعدَهم وفي غَيرِهم [30] أخرجه مسلم (1830). .
الحُطَمةُ: الفَظُّ القاسي المُفسِدُ مِنَ الوُلاةِ، الذي يَظلِمُ ولا يَرفُقُ بالرَّعيَّةِ، ولا يَرحَمُهم في البَليَّةِ، والحُطَمةُ: هو الذي يَعنُفُ بالإبِلِ في السَّوْقِ والإيرادِ والإصدارِ فيَحطِمُها، ضَرَبَه مَثَلًا لوالي السُّوءِ [31] يُنظر: ((الفائق في غريب الحديث)) للزمخشري (1/ 292)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 31)، ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 550)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/ 2403). .

انظر أيضا: