سابعًا: تَهويةُ المَسكَنِ جَيِّدًا
يَنبَغي تَهويةُ المَسكَنِ جَيِّدًا، وعَدَمُ حَبسِ الهَواءِ الفاسِدِ فيه؛ فإنَّ لحَبسِه أضرارًا صِحِّيَّةً جَسيمةً.
فائِدةٌ:قال القاسِميُّ: (يَنبَغي أن يَكونَ المَسكَنُ بَعيدًا عنِ المياهِ الرَّاكِدةِ، وعن مَطارِحِ القاذوراتِ والبالوعاتِ والمَعامِلِ التي يَنشَأُ عنها فسادُ الهَواءِ، وأن يَكونَ مُضيئًا مُتَّجِهًا لنورِ الشَّمسِ؛ ولذا كان مَن يَقطُنُ في غُرَفٍ مُظلمةٍ أضعَفَ وأكثَرَ مَضَرَّةً مِمَّن يَسكُنُ في غُرَفٍ مُضيئةٍ تَستَقبلُها الشَّمسُ.
ويَنبَغي إبعادُ الأشياءِ المُتَخَمِّرةِ أوِ المُتَعَفِّنةِ عنِ المَنازِلِ، ودَوامُ تَنظيفِها، ومُراعاةُ تَجديدِ الهَواءِ بفتحِ النَّوافِذِ مِرارًا.
وليُحذَرْ مِن إغلاقِ النَّوافِذِ على النَّاسِ المُزدَحِمينَ في مَحَلٍّ واحِدٍ، كالشِّتاءِ؛ إذ يَمتَنِعُ تجَدُّدُ الهَواءِ فيها فيَفسُدُ بأنفاسِ الجالسينَ، فيَنشَأُ عنه أخطارٌ شَتَّى.
وليُحذَرْ أيضًا مِنِ استِنشاقِ هَواءِ الشَّمعةِ ساعةَ طَفئِها، فله سُرعةُ ضَرَرٍ لِما يَنشَأُ عنه مِنَ الاختِناقِ.
ويَجِبُ الاحتِراسُ أيضًا مِنَ الفَحمِ غَيرِ تامِّ الاحتِراقِ؛ لعِظَمِ ضَرَرِه.
قال بَعضُ الحُكَماءِ: مِن دَواعي الصِّحَّةِ الاعتيادُ مِن زَمَنِ الطُّفوليَّةِ على النَّومِ والشَّبابيكُ مَفتوحةٌ في جِهةٍ نَظيفةٍ؛ مِن غَيرِ تَعَرُّضٍ لمَجرى الهَواءِ.
وذلك لأقوياءِ البِنيةِ السَّالِمينَ مِنَ الأمراضِ، وإنَّ أكثَرَ الأمراضِ المُنتَشِرةِ في البُيوتِ مِن عَدَمِ الاعتِناءِ بتَجديدِ الهَواءِ، وإنَّ الاعتِناءَ بصَفاءِ الهَواءِ يَجِبُ بقَدرِ الاعتِناءِ بنَظافةِ المَأكولاتِ والمَشروباتِ، وإنَّ جَراثيمَ الأمراضِ تَنقَطِعُ مِنَ الأماكِنِ التي يَدخُلُها الضِّياءُ والهَواءُ الصَّافي، كَما تَكثُرُ في الأماكِنِ
المَحرومةِ مِنهما.
وقال حَكيمٌ: ليُعلَمْ أنَّ نَقاءَ الهَواءِ مَعناه خُلوُّه مِن مَوادَّ سامَّةٍ تُخالطُه، وأخَصُّ هذه المَوادِّ السَّامَّةِ ثَلاثٌ:
الأولى: أبخِرةٌ مُنبَعِثةٌ مِنَ الجَسَدِ.
الثَّانيةُ: أبخِرةٌ مُنبَعِثةٌ مِنَ الأقذارِ.
والثَّالثةُ: أبخِرةٌ مُنبَعِثةٌ مِنَ المُستَنقَعاتِ.
أمَّا المَوادُّ المُنبَعِثةُ مِنَ الجَسَدِ فهيَ: ما يَخرُجُ مِنه بواسِطةِ البُخارِ الرِّئَويِّ والجِلديِّ، وللأبخِرةِ المَذكورةِ رائِحةٌ خُصوصيَّةٌ تَنتَشِرُ في الأثوابِ والأَسِرَّةِ والفُرُشِ، وتَلتَصِقُ بالجُدرانِ، وقد تَدومُ زَمَنًا طَويلًا، وهيَ السَّبَبُ العَظيمُ النَّاشِئُ مِنِ ازدِحامِ المُجتَمِعينَ إذا لم يَتَجَدَّدْ فيها الهَواءُ، فلا يَخرُجُ الإنسانُ مِنها إلَّا ويَشعُرُ بتَعَبٍ أو صُداعٍ أو ثِقَلٍ في الرَّأسِ لا يَزولُ إلَّا بَعدَ التَّعَرُّضِ للهَواءِ المُطلَقِ بُرهةً.
وشاهَدَ كَثيرٌ مِنَ الأطِبَّاءِ مَوتى اغتالَتهم يَدُ المَنونِ مِنِ ازدِحامٍ شَديدٍ في أماكِنَ مَحصورةٍ، ولهم إحصاءاتٌ في ذلك شَتَّى.
فيَتَّضِحُ مِمَّا تَقدَّمَ أنَّ تَبديلَ الهَواءِ في المَساكِنِ مِنَ الأُمورِ الضَّروريَّةِ لحِفظِ الصِّحَّةِ ومَنعِ المَرَضِ، وأنَّ نَومَ كَثيرينَ في غُرفةٍ واحِدةٍ مُغلَقةِ النَّوافِذِ مِنَ العاداتِ المُضِرَّةِ.
فإذا لم يُمكِنْ تَقليلُ عَدَدِ النِّيامِ تُرِكَ بَعضُ النَّوافِذِ مَفتوحًا لأجلِ إبدالِ ما فسَدَ مِنَ الهَواءِ بالنَّقيِّ مِنه.
وكذلك الازدِحامُ في المَساجِدِ والمَدارِسِ يوجِبُ تَطهيرَ الهَواءِ فيها بواسِطةِ فتحِ النَّوافِذِ المُتَقابِلةِ.
وأمَّا خَوفُ العامَّةِ مِن دُخولِ الهَواءِ البارِدِ إلى البُيوتِ فوَهمٌ؛ لأنَّه إذا كان نَقيًّا فهو ضَروريٌّ للصِّحَّةِ ولو مُدَّةَ النَّومِ، بشَرطِ أن يَبعُدَ الفِراشُ عن مَجرى الهَواءِ البارِدِ، ورُبَّما كان أقَلَّ ضَرَرًا مِن تَنَفُّسِ الهَواءِ الفاسِدِ.
وكَذا يُقالُ في اجتِنابِ ما فسَدَ مِن هَواءِ الأقذارِ والمُستَنقَعاتِ؛ فإنَّ أضرارَ استِنشاقِه جَمَّةٌ، والتَّفصيلُ في كُتُبِ تَقويمِ الصِّحَّةِ)
[82] ((جَوامِع الآداب)) (ص: 77، 78). .