موسوعة الفرق

المَبحَثُ العاشِرُ: حُكمُ الإسلامِ فيهم


إنَّ النَّتيجةَ التي يخرُجُ بها الباحِثُ في المَذهَبِ الدَّرْزيِّ أنَّ هذا المَذهَبَ لا صِلةَ له بالإسلامِ والمُسلمينَ، وكُلُّ مَزاعِمِ أتباعِ هذا المَذهَبِ عن إسلاميَّتِهم إنَّما هو جَهلٌ أو تَقيَّةٌ. ومَعَ أنَّ هذا الأمرَ لا يعرِفُه عامَّةُ المُسلمينَ إلَّا أنَّه مَعروفٌ لَدى عُلَماءِ الإسلامِ قديمًا وحَديثًا، ولم يُعامِلْهم مَن يعرِفُ حَقيقَتَهم إلَّا على هذا الأساسِ؛ ولهذا فقد أفتى عُلَماءُ المُسلمينَ بعَدَمِ صِحَّةِ حُكمِ القاضي الدَّرْزيِّ على المُسلمينَ؛ لأنَّ الدَّرْزيَّ لا مِلَّةَ له كالمُنافِقِ والزِّنديقِ، وإن سَمَّى نَفسَه مُسلِمًا [3577] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 299). ، ولا تُقبَلُ أيضًا شَهادَتُهم على أحَدٍ، سَواءٌ كان مِثلَهم في الاعتِقادِ أو مُخالِفًا لهم لعَدَمِ وِلايتِهم [3578] يُنظر: ((تكملة حاشية ابن عابدين)) (1/ 73). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (هؤلاء "الدُّرزيَّةُ" و"النُّصَيريَّةُ" كفَّارٌ باتِّفاقِ المُسلمينَ، لا يحِلُّ أكلُ ذَبائِحهم ولا نِكاحُ نِسائِهم، بَل ولا يُقَرُّونَ بالجِزيةِ؛ فإنَّهم مُرتَدُّونَ عن دينِ الإسلامِ ليسوا مُسلمينَ ولا يهودَ ولا نَصارى، لا يُقِرُّونَ بوُجوبِ الصَّلواتِ الخَمسِ ولا وُجوبِ صَومِ رَمَضانَ ولا وُجوبِ الحَجِّ، ولا تَحريمِ ما حَرَّمَ اللهُ ورَسولُه مِنَ الميتةِ والخَمرِ وغَيرِهما. وإنَّ أظهَروا الشَّهادَتَينِ مَعَ هذه العَقائِدِ فهم كُفَّارٌ باتِّفاقِ المُسلمينَ... والدَّرْزيَّةُ هم أتباعٌ هشتكين الدَّرْزيِّ، وكان مِن مَوالي الحاكِمِ أرسَله إلى أهلِ وادي تَيمِ اللَّهِ بنِ ثَعلَبةَ فدَعاهم إلى إلاهيَّةِ الحاكِمِ ويُسَمُّونَه الباريَ العَلَّامَ ويحلِفونَ به، وهم مِنَ الإسماعيليَّةِ القائِلينَ بأنَّ مُحَمَّدَ بنَ إسماعيلَ نَسَخَ شَريعةَ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، وهم أعظَمُ كُفرًا مِنَ الغاليةِ، يقولونَ بقِدَمِ العالَمِ وإنكارِ المَعادِ وإنكارِ واجِباتِ الإسلامِ ومَحرَّماتِه، وهم مِنَ القَرامِطة الباطِنيَّةِ الذين هم أكفَرُ مِنَ اليهودِ والنَّصارى ومُشرِكي العَرَبِ، وغايتُهم أن يكونوا فلاسِفةً على مَذهَبِ أرِسطو وأمثالِه، أو مَجوسًا، وقَولُهم مُرَكَّبٌ مِن قَولِ الفلاسِفةِ والمَجوسِ، ويُظهِرونَ التَّشَيُّعَ نِفاقًا) [3579] ((مجموع الفتاوى)) (35/ 155 -162). .
فهؤلاء القَومُ مُرتَدُّونَ عنِ الإسلامِ؛ لتَركِهم عِبادةَ اللَّهِ تعالى، وإنكارِهم فرائِضَ الإسلامِ وشَرائِعَه، ولكِنْ لا بُدَّ مِنَ المُطالَبةِ بالعَمَلِ على نَشرِ الإسلامِ بَينَ صُفوفِهم، وأن يُحالَ بَينَهم وبَينَ مَشايِخِهمُ الذين لا يزالونَ يُصِرُّونَ على هذه السَّخافاتِ والضَّلالاتِ الخُرافيَّةِ المُهينةِ للعَقلِ الإنسانيِّ؛ فتَزولَ بذلك الغِشاوةُ عن أعيُنِ الكثيرِ مِنهم مِمَّن يعيشونَ في تَخَبُّطٍ لا يجِدونَ له نِهايةً.
سُئِلَ مُحَمَّد رَشيد رِضا: (دارَ بَينَ جَماعةٍ مِنَّا -مَعشَرَ المُسلمينَ- وجَماعةٍ مِنَ الدُّروزِ اللُّبنانيِّينَ حَديثٌ أفضى إلى ذِكرِ الحَشرِ والنَّشرِ والمَوقِفِ العَظيمِ، فقال أحَدُ الدُّروزِ: هَل تَعتَقِدونَ أيُّها المُسلِمونَ بيومِ القيامةِ وبالجَنَّةِ والنَّارِ؟ فقُلتُ: نَعم، قال: فأنتم إذَن كالعيسويِّينَ.
فاستَوقَفتُه حينَئِذٍ عن هذه المُحاجَّةِ التي أدَّت به إلى الكُفرِ، وجِئتُكم أنا وإخواني المُسلمينَ سائِلينَ عن هذه الشِّيعةِ الدَّرْزيَّةِ: هَل تُؤمِنُ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبيومِ البَعثِ؟ أم ماذا يعبُدونَ وبماذا يُؤمِنونَ؟ عَرِّفونا لنَكونَ على حَذَرٍ ونُؤَدِّبَهم بمَنارِكمُ المُؤَيَّدِ إلى أبَدِ الآبدينَ آمينَ
فأجابَ: (لا يضُرُّنا -مَعشَر المُسلمينَ- أن نوافِقَ النَّصارى في بَعضِ عَقائِدِهم؛ فالأصلُ موافَقةُ جَميعِ الأديانِ في العَقائِدِ، ولولا تَحريفُ الأُمَمِ وإضاعَتُهم لَمَا خالَفَتْ عَقيدةُ نَبيٍّ عَقيدةَ مَن قَبلَه مِنَ الأنبياءِ. وأمَّا الدُّروزُ فإنَّهم فِرقةٌ مِن فِرَقِ الباطِنيَّةِ الذين انشَقُّوا مِنَ المُسلمينَ، وهم يُؤمِنونَ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبالقُرآنِ، ولكنَّهم يُحَرِّفونَ القُرآنَ بالتَّأويلِ كسائِرِ الباطِنيَّةِ، ويعتَقِدونَ بأنَّ العَليَّ والبارَّ وأبو زَكريَّا وعَليٌّ والمَعلُّ والقائِمُ والمَنصورُ والمُعِزُّ والعَزيزُ والحاكِمُ: إلهٌ واحِدٌ، والحاكِمُ هذا هو أعظَمُهم ويُعَبِّرونَ عنه بمَولانا، ويدينونَ بتَوحيدِه، وهو الحاكِمُ بأمرِ اللَّهِ مِنَ المُلوكِ العُبَيديِّين المَعروفينَ بالخُلَفاءِ الفاطِميِّينَ، والحاكِمُ هذا كان ظالِمًا وظُلمُه مَشوبٌ بفنٍّ مِنَ الجُنونِ.
ومَبنى عَقيدةِ الدُّروزِ على التَّناسُخِ، وقد ذَكَرْنا طُرُقَ الاستِدلالِ عِندَهم وبَعضَ عَقائِدِهم في مَقالاتِ المُصلِحِ والمُقَلِّدِ في المُجَلَّدَينِ الثَّالِثِ والرَّابعِ مِنَ المَنارِ، ولا حاجةَ للإطالةِ بها. والجِدالُ مَعَهم عَبَثٌ؛ فإنَّه لا قانونَ في دينِهم للاستِدلالِ؛ إذِ العُمدةُ فيه على الحُروفِ وحِسابِ الجُمَّلِ، على أنَّ العارِفينَ بالدِّينِ مِنهم قَليلونَ، وهمُ الذين يدعونَهمُ العُقَّالَ. وقد رَأينا مِنَ المُتَعَلِّمينَ على الطَّريقةِ العَصريَّةِ ومِن أهلِ البَصيرةِ والنَّباهةِ مَن يتَمَنَّونَ نشَرْ التَّعاليمِ الإسلاميَّةِ في قَومِهم، ولو وُجِدَ للمُسلمينَ نَهضةٌ للتَّعليمِ ورُقيٌّ في العِلمِ والاجتِماعِ لسَهُلَ عليهم جَذبُ مُعظَمِ هذه الطَّائِفةِ في زَمَنٍ يسيرٍ) [3580] يُنظر: ((فتاوى الإمام محمد رشيد رضا)) (1/ 275). .

انظر أيضا: