موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّالثُ: مَوقِفُ الدُّروزِ مِنَ النُّصَيريَّةِ


تَعيشُ طائِفةُ الدُّروزِ في مَناطِقَ قَريبةٍ مِن مَناطِقِ تَواجُدِ النُّصَيريَّةِ، ومِنَ الطَّبيعيِّ أن يقومَ النِّزاعُ بَينَهما، وخاصَّةً بسَبَبِ الاختِلافِ الرَّئيسيِّ في العَقيدةِ؛ فالدُّروزُ يُؤَلِّهونَ الحاكِمَ بأمرِ اللَّهِ، بَينَما النُّصَيريَّةُ يُؤَلِّهونَ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
وقد ألَّف حَمزةُ بنُ عَليٍّ رِسالةً يرُدُّ فيها على عَقائِدَ النُّصَيريَّةِ باسِمِ: (الرِّسالةُ الدَّامِغةُ للفاسِقِ: الرَّدُّ على النُّصَيريِّ لَعنه المَولى في كُلِّ كَورٍ ودَورٍ).
ومِن خِلالِ هذه الرِّسالةِ يتَبَيَّنُ أنَّ حَمزةَ بنَ عَليٍّ كان يرُدُّ على كِتابٍ للنُّصَيريَّةِ بعُنوانِ (كِتابُ الحَقائِقِ وكَشفُ المَحجوبِ)، والذي حاولَ فيه النُّصَيريُّ أن يُقَرِّبَ بَينَ الدُّروزِ والنُّصَيريَّةِ، مُستَعينًا بما كتَبَه حَمزةُ لإثباتِ أنَّ مَذهَبَ الدُّروزِ هو بعَينِه مَذهَبُ النُّصَيريَّةِ؛ مِمَّا أغضَبَ حَمزةَ وجَعَله يقولُ في الرِّسالةِ: (فمَن قَبِلَ كِتابَه عَبَدَ إبليسَ، واعتَقدَ التَّناسُخَ، وحَلَّلَ الفُروجَ، واستَحَلَّ الكذِبَ والبُهتانَ... وحاشا دينِ مَولانا جَلَّ وعَزَّ مِنَ المُنكَراتِ، وحاشا الموحِّدينَ مِنَ الفاحِشاتِ) [3569] ((الرسالة الدامغة للفاسق - الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 163). .
ويأتي حَمزةُ بَعدَ ذلك على الأقوالِ والعَقائِدِ التي يقولُ بها النُّصَيريُّ ويرُدُّ عليها، وأوَّلُ العَقائِدِ التي رَدَّ بها حَمزةُ على النُّصَيريِّ هي في قَولِه: (أنَّ جَميعَ ما حَرَّموه مِنَ القَتلِ والسَّرِقةِ والكَذِبِ والبُهتانِ والزِّنا واللِّياطةِ فهو مُطلَقٌ للعارِفِ والعارِفةِ بمَولانا جَلَّ ذِكرُه)، فرَدَّ حَمزةُ على هذا فقال: إنَّه (كذب بالتَّنزيلِ والتَّأويلِ) [3570] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 165). .
وأمَّا قَولُ النُّصَيريِّ: إنَّه يجِبُ على المُؤمِنِ ألَّا يُمانِعَ أخاه مِن مالِه ولا جاهِه، وأن يُظهِرَ لأخيه المُؤمِنِ عيالَه، ولا يعتَرِضَ عليهم فيما يجري بَينَهم، وإلَّا فما يتِمُّ إيمانُه. فرَدَّ عليه حَمزةُ بقَولِه: (فقد كذَبَ لَعنَه اللَّهُ، وسَرَقَ الأوَّلَ مِن مَجالِسِ الحِكمةِ بقَولِه: لا يمنَعُ أخاه مِن مالِه ولا مِن جاهِه... وإلَّا فمَن لا يغارُ على عِيالِه فليس بمُؤمِنٍ، بل هو خرميٌّ طالِبُ الرَّاحةِ والإباحةِ... إذ كان الجِماعُ ليس هو مِنَ الدِّينِ ولا ينتَسِبُ إلى التَّوحيدِ، إلَّا أن يكونَ جِماعَ الحَقيقةِ، وهو المُفاتَحةُ بالحِكمةِ بَعدَ أن يكونَ مُطلَقًا للكلامِ) [3571] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 165). .
وأمَّا قَولُ النُّصَيريِّ: إنَّه يجِبُ على المُؤمِنةِ ألَّا تَمنَعَ أخاها فَرْجها، وأن تَبذُلَ فَرجَها له مُباحًا حَيثُ شاءَ، وأن لا يتِمَّ نِكاحُ الباطِنِ إلَّا بنِكاحِ الظَّاهِرِ، ونِسبةُ ذلك إلى تَوحيدِ الحاكِمِ، فرَدَّ عليه حَمزةُ فقال: (قد كذَبَ على مَولانا عَزَّ اسمُه، وأشرَكَ به وألحَدَ فيه... وأمَّا وسائِطُ مَولانا جَلَّ ذِكرُه، فما مِنهم أحَدٌ طَلَب مِنَ النِّساءِ مُناكَحةَ الظَّاهِرِ، ولا ذكَرَ بأنَّه لا يتِمُّ... فعَلِمْنا بأنَّه لم يكُنْ لهذا الفاسِقِ النُّصَيريِّ لَعنةُ المَولى عليه بُغيةٌ غَيرُ الفسادِ في دينِ مَولانا جَلَّ ذِكرُه ودينِ المُؤمِنينَ. ودينُ مَولانا لا ينفَسِدُ أبَدًا، لكنَّه طَلَبَ الشَّهوةَ البَهيميَّةَ التي لا ينتَفِعُ بها في الدِّين ولا الدُّنيا) [3572] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 166). .
وأمَّا قَولُه: الويلُ كُلُّ الويلِ على مُؤمِنةٍ تَمنَعُ أخاها فَرجَها؛ لأنَّ الفَرجَ مِثلُ أئِمَّةِ الكُفرِ، والإحليلُ إذا دَخَلَ فرجَ المَرأةِ دَليلٌ على الباطِنِ، ومَمثولُه على مُكاسَرةِ أهلِ الظَّاهرِ وأئِمَّةِ الكُفرِ... ومَن عَرَف الباطِنَ فقد رُفعَ عنه الظَّاهرُ، فرَدَّ عليه حَمزةُ فقال: (قد كذَبَ على دينِ مَولانا وحَرَّفَ وأغوى المُؤمِنينَ وأفسَدَ المُؤمِناتِ الصَّالحاتِ، وليس كُلُّ من عَرفَ باطِنَ الشَّيءِ وجَبَ عليه تَركُ ظاهِرِه، وكُلُّ رَجُلٍ ينكِحُ امرَأةً مُؤمِنةً بغَيرِ الشُّروطِ التي تَجِبُ عليه في الحَقيقةِ والشَّريعةِ الرُّوحانيَّةِ كان مُنافِقًا على مَولانا جَلَّ ذِكرُه؛ إذ كان فيه هَتكُ الدِّينِ وهَدمُ التَّوحيدِ، ومَن كانت لها بَعلٌ فلا شُروطَ لها إلَّا لبَعلِها) [3573] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 167). .
ورَدَّ حَمزةُ أيضًا على النُّصَيريِّ في التَّناسُخِ الذي يختَلفونَ فيه، فقال: (وأمَّا قَولُه بأنَّ أرواحَ النَّواصِبِ والأضدادِ تَرجِعُ في الكِلابِ والقِرَدةِ والخَنازيرِ إلى أن تَرجِعَ في الحَديدِ، وتُحمى وتُضرَبَ بالمِطرَقةِ، وبَعضُهم في الطَّيرِ والبومِ، وبَعضُهم تَرجِعُ إلى المَرأةِ التي تَثكَلُ ولَدَها، فقد كذَبَ على مَولانا سُبحانَه بأن يعصيَه رَجُلٌ عاقِلٌ لَبيبٌ فيُعاقِبَه في صورةِ كلبٍ أو خِنزيرٍ، وهم لا يعقِلونَ ما كانوا عليه في الصُّورةِ البَشَريَّةِ، ولا يعرِفونَ ما جَنَوه، ويصيرُ حَديدًا ويُحمى ويُضرَبُ بالمِطرَقةِ، فأينَ تَكونُ الحِكمةُ في ذلك والعَدلُ فيهم؟!
وإنَّما تَكونُ الحِكمةُ في عَذابِ رَجُلٍ يفهَمُ ويعرِفُ العَذابَ؛ ليكونَ مَأدُبةً لها وسَبَبًا لتَوبَتِه. وأمَّا العَذابُ الواقِعُ بالإنسانِ فهو نُقلتُه مِن دَرَجةٍ عاليةٍ إلى دَرَجةٍ دونَها في الدِّينِ، وقِلَّةُ مَعيشَتِه وعَمى قَلبِه في دينِه ودُنياه، وكذلك نُقلتُه مِن قَميصٍ إلى قَميصٍ على هذا التَّرتيبِ، وكذلك الجَزاءُ في الثَّوابِ ما دامَ في قَميصِه فهو زيادةُ دَرَجَتِه في العُلومِ... فمَنِ اعتَقدَ هذا كان عالِمًا بتَوحيدِ مَولانا جَلَّ ذِكرُه... ومَنِ اعتَقدَ التَّناسُخَ مِثلَ النُّصَيريَّةِ المَعنَويَّةِ، في عَليِّ بنِ أبي طالبٍ وعَبدِه، فقد خَسِرَ الدُّنيا والآخِرةَ، ذلك هو الخُسرانُ المُبينُ) [3574] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 170- 171). .
وأتى حَمزةُ إلى الاختِلافِ في أُلوهيَّةِ الحاكِمِ كما يقولُ الدُّروزُ، وأُلوهيَّةِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه كما يقولُ النُّصَيريَّةُ، فقال: (ثُمَّ إنَّه إذا ذَكرَ عَليًّا -أي النُّصَيريُّ- يقولُ: علينا سَلامُه ورَحمَتُه، وإذا ذَكرَ مَولانا جَلَّ ذِكرُه يقولُ: علينا سَلامُه، فيطلُبُ الرَّحمةَ مِنَ المَفقودِ المَعدومِ، ويجحَدُ المَوجودَ الحاكِمَ بذاتِه المُنفرِدَ عن مُبدِعاتِه، ولا يكونُ في الكُفرِ أعظَمُ مِن هذا، فصَحَّ عِندَ العارِفِ بأنَّ الشِّركَ الذي لا يُغفَرُ أبَدًا هو بأن يُشرِكَ بَينَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ وبَينَ مَولانا جَلَّ ذِكرُه) [3575] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 172). .
(وأمَّا قَولُه بأنَّ مُحَمَّدَ بنَ عَبدِ اللَّهِ هو الحِجابُ الأعظَمُ الذي ظَهَرَ لمَولانا الحاكِمِ مِنه، ومَن لم يُسَدِّقْ بهذا الكِتابِ فهو مِن أصحابِ هامانَ والشَّيطانِ وإبليسَ... فقد كذَبَ في جَميعِ ما قاله المنجوسُ النُّصَيريُّ، فما عُرِف الدِّينُ ولا الحِجابُ، ومُحَمَّدٌ كان حِجابَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأمَّا حِجابُ مَولانا جَلَّ ذِكرُه فلا، وهذا قَولُ مَن عَقلُه سَخيفٌ، ودينُه ضَعيفٌ، والحِجابُ هو سُترةُ الشَّيءِ ليس إظهارَه، والذي أظهَرَ المَولى جَلَّ اسمُه نَفسَه مِنه كيف يشاءُ بلا اعتِراضٍ عليه يُقالُ له: حُجَّةُ القائِمِ، وهو المَهديُّ، وبه دَعا الخلقَ بنَفسِه إلى نَفسِه، وباشَرَ العَبيدَ بالصُّورةِ المَرئيَّةِ ومُخاطَبةِ البَشَريَّةِ، وكُنْهُ مَولانا لا تُدرِكُه الأوهامُ والخَواطِرُ) [3576] ((الرسالة الدامغة للفاسق- الرد على النصيري لعنه المولى في كل كور ودور)) ضمن ((رسائل الحكمة)) (1/ 172). .

انظر أيضا: