موسوعة الفرق

المَطلَبُ الأوَّلُ: مَوقِفُ الدُّروزِ مِنَ اليهودِ


كان مَوقِفُ الحاكِمِ بأمرِ اللَّهِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى هو اضطِهادُهم وهَدمُ كنائِسِهم وبِيَعِهم، ثُمَّ تحَوَّل في آخِرِ عُمرِه عن هذا الاضطِهادِ المُنَظَّمِ بَعدَ ظُهورِ الدَّعوةِ الجَديدةِ لتَأليهِه على يدِ حَمزةَ.
وقد حَرَصَ دُعاةُ الدُّروزِ على إثباتِ أنَّ المَسيحَ الذي بَشَّرَ به موسى عليه السَّلامُ هو حَمزةُ بنُ عَليٍّ، وقد ورَدَ مَوقِفُهم هذا في (الرِّسالةِ المَوسومةِ بالإسرائيليَّاتِ الدَّامِغةِ لأهلِ اللُّدودِ والجُحودِ، أعني الكفرةَ مِن أهلِ شَريعةِ اليهودِ) وهي مِن تَأليفِ بَهاءِ الدِّين.
وقد بَدَأ بَهاءُ الدِّينِ هذه الرِّسالةَ بالرَّدِّ على اليهودِ في عَدَمِ جَوازِ نَسخِ الشَّرائِعِ؛ حَيثُ قال: (العِلَّةُ التي أوجَبَ بها اليهودُ إرسالَ موسى لا تَزالُ باقيةً، وإلَّا لم تَقُمْ حُجَّةُ موسى على أصحابِه ولا على مَن أقَرَّ بإبراهيمَ). وحُجَّةٌ أُخرى: (هي أنَّ مَن شَرعَ شَريعةً هو مُحدَثٌ، فموسى مُحدَثٌ مَخلوقٌ، ولا شَكَّ أنَّ الشَّارِعَ للشَّريعةِ أفضَلُ مِنَ الشَّريعةِ التي شَرَعَها؛ إذ إنَّ الشَّريعةَ لا تَقومُ بنَفسِها، بل هي مُحتاجةٌ إلى القائِمِ بها العالِمِ الفاضِلِ، وإذا كان واجِبًا رَفعُ القائِمِ بالشَّريعةِ وفناؤُه وزَوالُه فمُمكِنٌ إبطالُ الشَّريعةِ ورَفعُها) [3558] ((الرسالة الموسومة بالإسرائيلية الدامغة لأهل اللدود والجحود أعني الكفرة من أهل شريعة اليهود)) عن ((عقيدة الدروز)) للخطيب (ص: 249). .
ولذلك قَرَّرَ بَهاءُ الدِّينِ أنَّ اليهودَ يتَرَقَّبونَ مَن سيكونُ الفرَجُ على يدَيه، وهو أفضَلُ مِن موسى ومِن إبراهيمَ، وأنَّه يأتي بالآياتِ والبَراهينِ، ويدعو الخَلقَ إلى تَوحيدِ رَبِّ العالَمينَ، فمِمَّا استُدِلَّ به على ظُهورِ قائِمِ الزَّمانِ حَمزةَ بنِ عَليٍّ قَولُ التَّوراةِ: (صَوتُ مُنادٍ في القِفارِ، انصِبوا للَّهِ طُرُقًا، وأقيموا في الفيافي طُرُقَكم، ستَرتَفِعُ الوطأةُ، وتَنخَفِضُ الجِبالُ والكَدأةُ، وتَكونُ المُعوجَّةُ مُستَقيمةً، والوَعرةُ تَكونُ طَريقُها سَهلةً، ويظهَرُ جَلالُ اللَّهِ) [3559] ورد النَّصُّ في إنجيلِ لوقا بهذه العباراتِ التَّاليةِ: (صوتُ منادٍ في البَريَّةِ: أعدُّوا طريقَ الرَّبِّ، واجعلوا سبُلَه مستقيمةً. كُلُّ وادٍ سيُردمُ، وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ سيُخفَضُ، وتصيرُ الأماكِنُ الملتويةُ مستقيمةً، والأماكنُ الوَعرةُ طُرُقًا مستويةً، فيُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ الخلاصَ الإلهيَّ). .
وأيضًا قَولُ داوُدَ في الزَّبورِ بذِكرِ قائِمِ الحَقِّ، وهو: قال السَّيِّدُ لسَيِّدي: اجلِسْ عن يميني حتَّى أجعَلَ عَدَدَ أعدائِك كُرسيَّ رِجلَيك، فعَظَّم داوودَ وسُوَرَه وأقَرَّ له بالخُنوعِ والخُضوعِ؛ لأنَّه يملكُ جَميعَ الدُّنيا ويحوزُ مِنَ البَحرِ إلى لَدُنِ الأنهارِ إلى مُنقَطَع الأرضِ، والذي تنحَرُ الجَبابرةُ له بَينَ يدَيه على رُكبِهم، ويجلسُ أعداؤُه على التُّرابِ، وتَأتيه المُلوكُ بالقَرابينِ، ويُسجَدُ له وتَدينُ الأُمَمُ كُلُّها بطاعَتِه والانقيادِ؛ لأنَّه يُخلِّصُ المُضطَهَدَ البائِسَ مِمَّن هو أقوى مِنه، مالِكُ الجَميعِ صَلَّى اللَّهُ عليه [3560] ورد النَّصُّ في مزاميرِ داودَ بهذه العباراتِ التَّاليةِ: (قال الرَّبُّ لربِّي: اجلِسْ عن يميني حتى أضَعَ أعداءَك موطئًا لقَدَميك. يجعَلُ الرَّبُّ صهيونَ منطَلَقًا لسُلطانِك، ويقولُ: احكمْ في وَسَطِ أعدائِك. في يومِ محاربةِ أعدائِك يتطوَّعُ شعبُك. يجيءُ شبابُك إلى التِّلالِ المقدَّسةِ كالنَّدى في قَلبِ الفَجرِ. أقسمَ الرَّبُّ ولن يتراجَعَ: «أنت كاهِنٌ إلى الأبِدِ على رتبةِ ملكي صادقٍ. الرَّبُّ واقفٌ عن يمينِك. في يومِ غَضَبِه يحطِّمُ مُلوكًا. يقضي بين الأمَمِ، فيملأُ الأرضَ الرَّحبةَ بجُثَثِ رؤسائِها. يَشرَبُ الملِكُ من النَّهرِ المجاوِرِ للطَّريقِ؛ لذلك يشمَخُ برأسِه منتَصِرًا). .
قال بَهاءُ الدِّين مُخاطِبًا اليهودَ: (فهذه صِفاتٌ لا يدَّعيها أحَدٌ مِنَ الأنبياءِ، ومَناقِبُ ليست تَكونُ إلَّا لقائِمِ الحَقِّ، قائِمِ القيامةِ... وأنتم أيُّها اليهودُ وجَميعُ أهلِ الشَّرعِ في سَكرَتِكم تَعمَهونَ، وقد ضَلَلتُم عَمَّا كان عليه الأسلافُ المُحِقُّونَ له ينتَظِرونَ، فلو كُنتُم يا جَماعةَ اليهودِ رَجَعتُم إلى الباري واتَّبَعتُم هاديَه ودَليلَه وقَبِلتُم أمرَه، وسَلَكتُم طَريقَ الحَقِّ وسَبيلَه، وحَفِظتُم ميثاقَ الذي واثَقَكم عليه، وسَلَّمتُم عن أمرٍ تَمَّ بالتَّسليمِ إليه، لَرَجَعَ إليكم بالمَغفِرةِ وتَلَقَّاكم بالتَّوبةِ، وأنقَذَكم مِن أيدي أعدائِكم) [3561] ((الرسالة الموسومة بالإسرائيلية الدامغة لأهل اللدود والجحود أعني الكفرة من أهل شريعة اليهود)) عن ((عقيدة الدروز)) للخطيب (ص: 229- 231). .

انظر أيضا: