تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ ما كان حَرامًا بدونِ الشَّرطِ فالشَّرطُ لا يُبيحُه" [395] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (29/148)، ((القواعد النورانية)) (ص: 274) كلاهما لابن تيمية، ((الشرط الجزائي)) لعلي السالوس، منشور بـ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (12/550)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/836). . ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّرطَ لا يُبيحُ ما حَرَّمَه اللهُ تعالى، ولا يُحَرِّمُ ما أباحَه اللهُ، وإلَّا كان شَرطًا باطِلًا ولا يَجِبُ الوفاءُ به؛ فالمُشتَرِطُ ليسَ له أن يُسقِطَ ما أوجَبَه اللهُ، وإنَّما له أن يوجِبَ بالشَّرطِ ما لم يَكُنْ واجِبًا بدونِه. وبذلك تَدخُلُ القاعِدةُ في التَّمييزِ بَينَ الحَرامِ والمُباحِ، فلا يَستَطيعُ الشَّرطُ في مِنطَقةِ الحَرامِ أن يَجعَلَ الحَرامَ حَلالًا، بَل ما كان حَرامًا بدونِ الشَّرطِ فالشَّرطُ لا يُبيحُه، كالزِّنا. وأمَّا ما كان مُباحًا بدونِ الشَّرطِ -كالزِّيادةِ في مَهرِ المِثلِ- فيَصِحُّ أن يوجِبَ الشَّرطُ فِعلَه بَعدَ أن كان تَركُه مُباحًا. وأمَّا ما أباحَه اللهُ تعالى في حالٍ مَخصوصةٍ ولم يُبِحْه مُطلقًا فإذا حَوَّله الشَّرطُ عن تلك الحالِ لم يَكُنِ الشَّرطُ قد حَرَّمَ ما أحَلَّه اللهُ، وكذلك ما حَرَّمَه اللهُ في حالٍ مَخصوصةٍ ولم يُحَرِّمْه مُطلَقًا لم يَكُنِ الشَّرطُ قد أباحَ ما حَرَّمَه اللهُ، وإن كان بدونِ الشَّرطِ يَستَصحِبُ حُكمَ الإباحةِ والتَّحريمِ، لكِنْ فَرقٌ بَينَ ثُبوتِ الإباحةِ والتَّحريمِ بالخِطابِ وبَينَ ثُبوتِه بمُجَرَّدِ الاستِصحابِ [396] ينظر للمعنى الإجمالي: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/148)، ((الشرط الجزائي)) لهيئة كبار العلماء، منشور بـ((مجلة البحوث الإسلامية)) (2/131)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/836)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (5/227). . وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (كُلُّ شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الشَّرطَ الذي ليسَ في كِتابِ اللهِ يَكونُ مُخالفًا لحُكمِ اللهِ تعالى وحُكمِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما كان مُخالفًا لحُكمِ اللهِ تعالى ورَسولِه لا يُبيحُ ما حَرَّمَه اللهُ تعالى ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ: 1- مِنَ السُّنَّةِ: - عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ برَيرةَ أتَتها فقالت: ((إنَّ أهلي كاتَبوني على تِسعِ أواقٍ في تِسعِ سِنينَ، في كُلِّ سَنةٍ أوقيَّةٌ، فأعينيني. فقُلتُ لها: إن شاءَ أهلُكِ أن أعُدَّها لهم عَدَّةً واحِدةً، وأُعتِقَكِ ويَكونَ الولاءُ لي، فعَلتُ، فذَكَرَت ذلك لأهلِها فأبَوا إلَّا أن يَكونَ الولاءُ لهم، فأتَتني فذَكَرَت ذلك، فانتَهَرتُها، فقالت: لاهَا اللَّهِ إذًا، قالت: فسَمِعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسَألني فأخبَرتُه، فقال: اشتَريها وأعتِقيها واشتَرِطي لهمُ الولاءَ؛ فإنَّ الولاءَ لمَن أعتَقَ. ففعَلتُ. ثُمَّ خَطَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشيَّةً، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه بما هو أهلُه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ، فما بالُ أقوامٍ يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَت في كِتابِ اللهِ؟ ما كان مِن شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فهو باطِلٌ، وإن كان مِائةَ شَرطٍ؛ كِتابُ اللهِ أحَقُّ، وشَرطُ اللَّهِ أوثَقُ)) [397] أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504) واللفظ له. . وَجهُ الدَّلالةِ: يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ الشَّرطَ لا يُبيحُ ما حَرَّمَه اللهُ، ولا يُحَرِّمُ ما أباحَه اللهُ، وإلَّا كان باطِلًا ولا يَجِبُ الوفاءُ به، بَل قد يَحرُمُ الوفاءُ به، ويَجِبُ نَقضُه، ويَبقى العَقدُ صحيحًا [398] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/836). . 2- مِنَ القَواعِدِ: يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (كُلُّ شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ). رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ: 1- جَعَل اللهُ تعالى النَّسَبَ للوالدِ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنِ ادَّعى إلى غَيرِ أبيه، وهو يَعلمُ أنَّه غَيرُ أبيه، فالجَنَّةُ عليه حَرامٌ)) [399] أخرجه البخاري (6766، 6767)، ومسلم (63) من حديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ وأبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وأبطَل اللهُ ما كانوا عليه في الجاهليَّةِ مِن تَبَنِّي الرَّجُلِ ابنَ غَيرِه، فهذا أمرٌ لا يَجوزُ فِعلُه مُطلقًا، والشَّرطُ لا يُبيحُ حَرامًا [400] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (29/149)، ((القواعد النورانية)) (ص: 274) كلاهما لابن تيمية. . 2- حَرَّمَ اللهُ تعالى الزِّنا؛ فإنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الوطءَ إلَّا بمِلكِ النِّكاحِ، ولا يَجوزُ فِعلُ الزِّنا مُطلقًا، والشَّرطُ لا يُبيحُ حَرامًا [401] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (29/148)، ((القواعد النورانية)) (ص: 274) كلاهما لابن تيمية. . 3- حَرَّمَ اللهُ تعالى الرِّبا، ولا يَجوزُ فِعلُ الرِّبا مُطلقًا، والشَّرطُ لا يُبيحُ حَرامًا؛ فمَن شَرَط عَودَ فائِدةٍ رِبَويَّةٍ فيما أقرَضَه، فهو شَرطٌ باطِلٌ [402] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (29/148)، ((القواعد النورانية)) (ص: 274) كلاهما لابن تيمية. .