موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّالِثُ: سِماتُ القاعِدةِ الفِقهيَّةِ


للقاعِدةِ الفِقهيَّةِ سِماتٌ تُمَيِّزُها، ومِن أبرَزِها:
1- الصِّياغةُ الموجَزةُ المُحكَمةُ للقَواعِدِ الفِقهيَّةِ:
فمِن مُمَيِّزاتِ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ أن تُصاغَ بقدرِ الإمكانِ صياغةً موجَزةً مُحكَمةً دَقيقةً، تَدُلُّ على الشُّمولِ والِاستِغراقِ، فهيَ تَمتازُ بمَزيدِ الإيجازِ في صياغَتِها على عُمومِ مَعناها، وسَعةِ استيعابِها للفُروعِ الجُزئيَّةِ، فالأصلُ أن تُصاغَ بكَلِمَتَينِ أو بضعِ كَلِماتٍ مُحكَمةٍ مِن ألفاظِ العُمومِ [54] يُنظر: ((القواعد الكلية والضوابط)) لمحمد شبير (ص: 15)، ((المدخل الفقهي العام)) لمصطفى الزرقا (2/965- 966). .
وهذا شَأنُ القَواعِدِ؛ فإنَّها تَكونُ بعِبارةٍ موجَزةٍ مَعَ سَعةٍ في المَعنى، وهذا نَوعٌ مِنَ البَلاغةِ، وبِه كانَ امتيازُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه أوتيَ جَوامِعَ الكَلِمِ، وهو التَّعبيرُ عَنِ المَعاني الكَثيرةِ بالألفاظِ اليَسيرةِ [55] يُنظر: ((مقدمة القواعد للحصني)) للشعلان والبصيلي (1/34). .
مِثلُ قاعِدةِ: "الأعمالُ بالنِّيَّاتِ"، وقاعِدةِ: "المَشَقَّةُ تَجلِبُ التَّيسيرَ" فكُلٌّ مِن هذه القَواعِدِ يَندَرِجُ تَحتَ كُلٍّ مِنها ما لا يُحصى مِنَ المَسائِلِ الفِقهيَّةِ [56] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/29). .
وهذا مِن مُحَسِّناتِ القاعِدةِ الفِقهيَّةِ ومُكَمِّلاتِها لا مِن حَقيقَتِها وماهيَّتِها [57] يُنظر: ((المفصل في القواعد الفقهية)) ليعقوب الباحسين (ص: 88-89). .
2- مِن سِماتِ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ: البَساطةُ والوُضوحُ
فلا غُموضَ ولا تَعقيدَ في العِباراتِ ليُفهَمَ المَعنى المُرادُ؛ إذِ الأصلُ مِن إنشاءِ القاعِدةِ التَّيسيرُ لا العَكسُ.
فإنَّ دِراسةَ الفُروعِ إن حُفِظَت كُلُّها أو أغلَبُها فإنَّها سَريعةُ النِّسيانِ، ويَحتاجُ الرُّجوعُ إليها في كُلِّ مَرَّةٍ إلى جُهدٍ ومَشَقَّةٍ. أمَّا القاعِدةُ الفِقهيَّةُ فالأصلُ أن تَكونَ سَهلةَ الحِفظِ، بَعيدةَ النِّسيانِ؛ لأنَّها صيغَت بعِبارةٍ جامِعةٍ سَهلةٍ تُبَيِّنُ مُحتَواها [58] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/27- 28). .
قال ابنُ المُلَقِّنِ: (القَواعِدُ الفِقهيَّةُ موجَزةُ الألفاظِ سَهلةُ العِباراتِ، يُمكِنُ للفَقيهِ أن يُحيطَ بها وأن يَحفَظَها بخِلافِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ) [59] ((الأشباه والنظائر)) (1/ 26). .
وقال عَنها أيضًا: (قَواعِدُ كُلِّيَّةٌ وضَوابِطُ عامَّةٌ تَلُمُّ شَتاتَ الفُروعِ وتَضبِطُ مَنثورَها، وتُسَهِّلُ على الفَقيهِ استِحضارَ الحُكمِ الفَرعيِّ؛ إذ مِنَ الصَّعبِ أن يَكونَ حافِظًا لكُلِّ فُروعِ مَذهَبِه، ولَكِنَّ استِحضارَه للقاعِدةِ يُيَسِّرُ له ذلك كَثيرًا) [60] ((الأشباه والنظائر)) (1/ 5). .
3- القَواعِدُ الفِقهيَّةُ يَشتَمِلُ كَثيرٌ مِنها على استِثناءاتٍ:
فالقَواعِدُ الفِقهيَّةُ يَغلِبُ عليها الاستِثناءُ، ولا يَقدَحُ هذا في قاعِديَّتِها؛ لأنَّ تَخَلُّفَ بَعضِ الجُزئيَّاتِ عَن مُقتَضى الكُلِّيِّ لا يُخرِجُه عَن كَونِه كُلِّيًّا [61] يُنظر: ((الموافقات)) (2/ 83- 84). .

انظر أيضا: