الفَرعُ الثَّاني: بَعضُ القَواعِدِ المُتَعَلِّقةِ بقاعِدةِ الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ
1- قاعِدةُ الأصلُ عَدَمُ التَّشريعِ، وعَدَمُ الوُجوبِ، وعَدَمُ الشَّرطِ.أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِلم تَرِدْ هذه القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَجموعةِ في كُتُبِ الفِقهِ والقَواعِدِ، وإنَّما ورَدَت مُفرَدةً بهذه الصِّيَغِ:
"الأصلُ عَدَمُ التَّشريعِ"
[278] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/1766)، ((البحر المحيط)) (6/24)، ((تشنيف المسامع)) (2/905) كلاهما للزركشي، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/305)، ((الغيث الهامع)) للعراقي (ص: 389)، ((القواعد)) للحصني (2/326). . و "الأصلُ عَدَمُ الوُجوبِ"
[279] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (3/537)، ((رفع الحاجب)) لابن السبكي (2/259) و(3/226)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 253)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/18)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 243). . و "الأصلُ عَدَمُ الشَّرطِ"
[280] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/273)، ((المغني)) لابن قدامة (6/530) و(8/328)، ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (6/203)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/275)، ((البناية)) للعيني (5/420). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِالافتِراضُ: هو ما طَلبَ الشَّارِعُ فِعلَه طَلبًا جازِمًا بدَليلٍ قَطعيِّ الثُّبوتِ والدَّلالةِ، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والجِهادِ، وحُكمُه وُجوبُ فِعلِه، ومُنكِرُه كافِرٌ، وتارِكُه بلا عُذرٍ فاسِقٌ
[281] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/300). . والافتِراضُ والإيجابُ مُتَرادِفانِ عِندَ الجُمهورِ.
وإذا وقَعَ التَّرَدُّدُ بَينَ التَّشريعِ وعَدَمِه، أو بَينَ الافتِراضِ وعَدَمِه، أو بَينَ الشَّرطِ وعَدَمِه: فالأصلُ العَدَمُ.
قال الصَّنعانيُّ: (الأصلُ عَدَمُ الشَّرطِ حتَّى يَقومَ عليه دَليلٌ)
[282] ((سبل السلام)) (3/132). .
(وهو أصلٌ صحيحٌ، إذا اعتُبرَ وضَحَ به الفَرقُ بَينَ ما هو مِنَ البدَعِ وما ليسَ مِنها، ودَلَّ على أنَّ وُجودَ المَعنى المُقتَضي مَعَ عَدَمِ التَّشريعِ دَليلٌ على قَصدِ الشَّارِعِ إلى عَدَمِ الزِّيادةِ على ما كان مَوجودًا قَبلُ، فإذا زادَ الزَّائِدُ ظَهَرَ أنَّه مُخالِفٌ لقَصدِ الشَّارِعِ؛ فبَطَل)
[283] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (3/163). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِقال ابنُ عابدينَ: (لا حاجةَ لنا إلى الدَّليلِ على عَدَمِ الافتِراضِ؛ لأنَّه الأصلُ)
[284] ((حاشية ابن عابدين)) (1/122). .
ويُمكِنُ أن يُستَدَلَّ على أنَّ الأصلَ عَدَمُ التَّشريعِ، وعَدَمُ الوُجوبِ، وعَدَمُ الشَّرطِ؛ بالقاعِدةِ السَّابقةِ، وهيَ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ، أي: "الأصلُ عَدَمُ التَّشريعِ، وبَراءةُ الذِّمَمِ مِنَ التَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ"
[285] ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/227). والمُرادُ هنا: بَراءةُ الذِّمَّةِ مِنَ التَّشريعِ والوُجوبِ والشَّرطِ حتَّى يَثبُتَ ذلك بدَليلٍ صحيحٍ يَصلُحُ لشَغلِ الذِّمَّةِ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِمِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- عَدَمُ وُجوبِ الوِترِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الوُجوبِ إلَّا أن يَرِدَ السَّمعُ، فيُتَمَسَّكُ بهذا الأصلِ حتَّى يَرِدَ دَليلٌ شَرعيٌّ للوُجوبِ، ولم يَثبُتْ
[286] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/18). .
2- إذا اختَلف الزَّوجُ والزَّوجةُ في وُجودِ الشَّرطِ في الطَّلاقِ، بأن قال الزَّوجُ: لم يوجَدِ الشَّرطُ ولم يَقَعِ الطَّلاقُ، وقالتِ الزَّوجةُ: قد وُجِدَ الشَّرطُ ووقَعَ الطَّلاقُ، فالقَولُ قَولُ الزَّوجِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الشَّرطِ، والقَولُ لمَن يَتَمَسَّكُ بالأصلِ، إلَّا أن تُقيمَ المَرأةُ البَيِّنةَ على وُجودِ الشَّرطِ، فحينَئِذٍ يَكونُ القَولُ قَولَها؛ لأنَّ الزَّوجَ مُتَمَسِّكٌ بالأصلِ، وهو عَدَمُ وُجودِ الشَّرطِ
[287] يُنظر: ((البناية)) للعيني (5/420). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِاستِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ ما إذا دارَ فِعلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه بَينَ أن يَكونَ جِبِلِّيًّا، وأن يَكونَ شَرعيًّا، كالأكلِ والشُّربِ، واللُّبسِ والنَّومِ، وهو دونَ ما ظَهَرَ مِنه قَصدُ القُربةِ، وفَوقَ ما ظَهَرَ فيه الجِبِلِّيَّةُ، فهَل يُحمَلُ على الجِبلِّيِّ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ التَّشريعِ، أو على الشَّرعيِّ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُعِثَ لبَيانِ الشَّرعيَّاتِ؟
فقد يُخَرَّجُ فيها قَولانِ مِنَ القَولينِ في تَعارُضِ الأصلِ والظَّاهرِ؛ إذِ الأصلُ عَدَمُ التَّشريعِ. والظَّاهرُ أنَّه شَرعيٌّ؛ لكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَبعوثًا لبَيانِ الشَّرعيَّاتِ
[288] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (5/1766)، ((البحر المحيط)) للزركشي (6/24)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/305). .
ومِن صُوَرِ ذلك: دُخولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ثَنيَّةِ كداءٍ وخُروجُه مِن ثَنيةٍ كُدًى، فهَل يَصِحُّ ذلك لأنَّه صادَف طَريقَه، أو لأنَّه سُنَّةٌ؟ فيه وجهانِ.
ومِنها: جلسةُ الاستِراحةِ عِندَما حَمَل اللَّحمَ: هَل هو جِبلِّيٌّ أو شَرعيٌّ؟ قيل: إنَّها سُنَّةٌ، وقيل: مُستَحَبٌّ للمُبَدِّنِ، وفي مَعناه العاجِزُ الضَّعيفُ دونَ غَيرِهما
[289] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/305)، ((القواعد)) للحصني (2/326). .
ووَجهُ الاستِثناءِ في ذلك لمَنِ استَثناه: أنَّ الأصلَ عَدَمُ التَّشريعِ، وبَراءةُ الذِّمَمِ مِنَ التَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ، وهذا يَقتَضي في هذا النَّوعِ أن لا يَكونَ واجِبًا ولا مُستَحَبًّا. لكِنَّ الظَّاهرَ أنَّ فِعلَه لمَّا واظَبَ عليه على طَريقةٍ مُعَيَّنةٍ أنَّه شَرعٌ يُتَّبَعُ؛ لأنَّ الغالبَ مِن أفعالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّشريعُ؛ إذ هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَبعوثٌ لبَيانِ الشَّرعيَّاتِ
[290] يُنظر: ((أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم)) لمحمد الأشقر (1/227). .
2- قاعِدةُ: المُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُهأوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِاستُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَةِ: "المُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه"
[291] يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (8/6453)، ((توضيح الأحكام)) للبسام (1/67)، ((الدرر البهية من الفتاوى الكويتية)) (5/185). قال أبو يوسُفَ: (ولا يَحِلُّ ولا يَسَعُ أن يُحبَسَ رَجُلٌ بتُهمةِ رَجُلٍ لهـ). ((الخراج)) (ص: 192). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِالأصلُ في الإنسانِ البَراءةُ؛ فالمُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه بالأدِلَّةِ القاطِعةِ اليَقينيَّةِ في مُحاكَمةٍ عادِلةٍ تَتَوافرُ له فيها كُلُّ ضَماناتِ الدِّفاعِ، والشُّبهةُ تُفسَّرُ لصالحِه، فإن كان المُتَّهَمُ بَريئًا ليسَ مِن أهلِ التُّهمةِ فإنَّه باتِّفاقِ العُلماءِ لا يَجوزُ عُقوبَتُه لا بضَربٍ ولا بحَبسٍ ولا بغَيرِهما
[292] يُنظر: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (8/6453)، ((النظام القضائي)) لرأفت عثمان (ص: 282). .
ومِن هنا لا يَجوزُ نَشرُ أسماءِ المُتَّهَمينَ قَبلَ صُدورِ الحُكمِ النِّهائيِّ بإدانَتِهم؛ لأنَّ المُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه؛ لِما يَتَرَتَّبُ على ذلك مِن مَضارَّ كَثيرةٍ تَلحَقُ المُتَّهَمينَ وتُؤَثِّرُ على سُمعَتِهم وعلى أُسَرِهم، وقد تُؤَثِّرُ على مَسيرةِ قَضيَّتِهم، وبخاصَّةٍ إذا ثَبَتَت بَعدَ ذلك بَراءَتُهم
[293] يُنظر: ((الدرر البهية من الفتاوى الكويتية)) (5/185). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِيُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ، والسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ:قَولُ اللهِ تعالى:
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 91] .
وَجهُ الدَّلالةِ:تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ الأصلَ في الإنسانِ بَراءةُ المُتَّهَمِ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه، ويُعَبَّرُ عنه بعِبارةِ: الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ، وهذا مَبدَأُ البَراءةِ الأصليَّةِ؛ وذلك لقَولِه تعالى:
مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فالأصلُ في النَّفسِ حُرمةُ القَتلِ، والأصلُ في المالِ حُرمةُ الأخذِ، إلَّا لدَليلٍ ثابتٍ أو لدَليلٍ مُنفصِلٍ مُستَقِلٍّ
[294] يُنظر: ((التفسير المنير)) لوهبة الزحيلي (10/352). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما قالا:
((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ -وهو أفقَهُ مِنه-: نَعَمْ، فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا، فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتَدَيتُ مِنه بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلْدُ مِائةٍ، وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ، الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا، فإنِ اعتَرَفت فارجُمْها، قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَر بها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فرُجِمَت )) [295] أخرجه البخاري (2724، 2725)، ومسلم (1697، 1698). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَأمُرْ بإحضارِ المَرأةِ؛ لأنَّ المُتَّهَمَ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه، فلا نَستَدعيها وما عَرَفنا أنَّها زَنَت، ومُجَرَّدُ قَولِ والدِ العَسيفِ: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا فزَنى بامرَأتِه؛ لا يُثبِتُ زِناها؛ لأنَّ المَرأةَ قد تُنكِرُ هذه الدَّعوى، فوكَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن يَذهَبُ إليها ويَسألُها؛ ليَنظُرَ في تَوفُّرِ الأدِلَّةِ التي تُثبِتُ الزِّنا على المُتَّهَمِ.
3- مِنَ القَواعِدِ: الأصلُ عَدَمُ انشِغالِ ذِمَّةِ الإنسانِ بحَقِّ الآخَرينَ، وعلى ذلك فالمُتَّهَمُ بَريءٌ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه، ومَعَ الشَّكِّ يُرَجَّحُ جانِبُ البَراءةِ، ولو حَصَل خَطَأٌ؛ فإنَّ الخَطَأَ في البَراءةِ خَيرٌ مِنَ الخَطَأِ في إدانةِ بَريءٍ
[296] يُنظر: ((توضيح الأحكام)) للبسام (1/67). .
قال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (إن قيل: كَيف جَعَلتُمُ القَولَ قَولَ المُدَّعى عليه مَعَ أنَّ كَذِبَ كُلِّ واحِدٍ مِنهما مُمكِنٌ؟ قُلنا: جَعَلنا القَولَ قَولَه لظُهورِ صِدقِه؛ فإنَّ الأصلَ بَراءةُ ذِمَّتِه مِنَ الحُقوقِ، وبَراءةُ جَسَده مِنَ القِصاصِ والحُدودِ والتَّعزيراتِ، وبَراءَتُه مِنَ الانتِسابِ إلى شَخصٍ مُعَيَّنٍ، ومِنَ الأقوالِ كُلِّها والأفعالِ بأسرِها)
[297] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) (2/32). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِتَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا وُجِدَ في يَدِ رَجُلٍ مَشهودٍ له بالعَدالةِ مالٌ مَسروقٌ، وقال هذا الرَّجُلُ العَدلُ: ابتَعتُه مِنَ السُّوقِ، فلا عُقوبةَ على هذا العَدلِ؛ لأنَّ الأصلَ بَراءَتُه حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه بالدَّليلِ
[298] يُنظر: ((النظام القضائي)) لرأفت عثمان (ص: 282). .
2- تَشريحُ جُثَّةِ المَيِّتِ لكَشفِ الجَريمةِ وحَقنًا لدَمِ المُتَّهَمِ؛ فإنَّه قد يَكونُ هناكَ شَخصٌ يُتَّهَمُ بقَتلِ المَيِّتِ، فنَحتاجُ إلى تَشريحِ جُثَّتِه لنَعلَمَ هَل كان مَوتُه طَبيعيًّا أو لا. فمَتى استَدعى الحالُ -لخَفاءٍ في الجَريمةِ، وسَبَب الوفاةِ باعتِداءٍ، وهَل هذه الآلةُ المُعتَدى بها قاتِلةٌ، فماتَ بسَبَبِها أو لا- فإنَّه يَتَخَرَّجُ القَولُ بالجَوازِ؛ صيانةً للحُكمِ عنِ الخَطَأِ، وصيانةً لحَقِّ المَيِّتِ الآيِلِ إلى وارِثِه، وصيانةً لحَقِّ الجَماعةِ مِنَ الاعتِداءِ والاغتيالِ، وحَقنًا لدَمِ المُتَّهَمِ، فتَحقيقُ هذه المَصالحِ غالبَت ما يُحيطُ بالتَّشريحِ مِن هَتكٍ لحُرمةِ المَيِّتِ، وقاعِدةُ الشَّريعةِ ارتِكابُ أخَفِّ الضَّرَرَينِ، والضَّروراتُ تُبيحُ المَحظوراتِ
[299] يُنظر: ((فقه النوازل)) لبكر أبو زيد (2/46). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِتَقييدٌ:القَولُ بالقاعِدةِ ليسَ على إطلاقِه، وإنَّما يَنبَغي أن تُقَيَّدَ بالقَرائِنِ والأماراتِ؛ حَيثُ إنَّ الاتِّهامَ في حَدِّ ذاتِه تَختَلفُ مُقَوِّماتُ اعتِبارِه باختِلافِ الأحوالِ والظُّروفِ والمُلابَساتِ المُحيطةِ به، وباختِلافِ القَرائِنِ المُقَوِّيةِ للاتِّهامِ أوِ المُهَوِّنةِ مِن أمرِه، وحَيثُ إنَّ المُتَّهَمَ نَفسَه قد يَكونُ في حَدِّ ذاتِه أهلًا للاتِّهامِ؛ إمَّا لسَوابقِه وقِدَمِ سَبقِه في الإجرامِ، أو لأنَّ مِثلَه حَريٌّ بالإجرامِ، أو لأنَّ حالَه توحي بالإجرامِ وتُغري به. ومِن هنا فإنَّ الشَّريعةَ الإسلاميَّةَ لا تُسَلِّمُ بتَبرِئةِ المُتَّهَمِ حتَّى تَثبُتَ إدانَتُه ما لم يَكُنِ الاتِّهامُ عاريًا عَمَّا يُسنِدُه مِن قَرائِنَ وأماراتٍ، والمُتَّهَمُ مَعروفًا بالبرِّ والصَّلاحِ والاستِقامةِ وسَلامةِ الاتِّجاهِ
[300] يُنظر: ((نظرية براءة المتهم حتى تثبت إدانتهـ)) لعبد الله بن منيع، مجلة البحوث الإسلامية (7/290، 303). .