موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: دَمجُ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ مَعَ الضَّوابِطِ أوِ المَسائِلِ الفِقهيَّةِ


فأصحابُ هذا المَنهَجِ أدخَلوا مَعَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ مَسائِلَ فِقهيَّةً؛ فالزَّركَشيُّ أورَدَ في "المَنثورِ" أبوابًا فِقهيَّةً مُستَقِلَّةً، كَأحكامِ الفَسخِ [575] يُنظر: ((المنثور)) (3/ 41- 53). ، وأحكامِ النِّيَّةِ [576] يُنظر: ((المنثور)) (3/ 284- 311). ، وجَلَساتِ الصَّلاةِ [577] يُنظر: ((المنثور)) (2/ 10). ، وأحكامِ الدَّينِ، وتقسيمِه إلى حالٍّ ومُؤَجَّلٍ [578] يُنظر: ((المنثور)) (2/ 158). .
وابنُ رَجَبٍ أدخَلَ في "قَواعِدِه" أحكامَ القَبضِ في العُقودِ، فقال: (قاعِدةٌ: القَبضُ في العُقودِ على قِسمَينِ...) [579] ((القواعد)) (1/ 322). . وقاعِدة المِلكِ، فقال: (قاعِدةٌ: المِلكُ أربَعةُ أنواعٍ: مِلكُ عَينٍ ومَنفَعةٍ، ومِلكُ عَينٍ بلا مَنفَعةٍ، ومِلكُ مَنفَعةٍ بلا عَينٍ، ومِلكُ انتِفاعٍ مِن غَيرِ مِلكِ المَنفَعةِ) [580] ((القواعد)) (2/ 176). ، وقاعِدة أقسامِ الأيدي المُستَوليةِ على مالِ الغَيرِ، فقال: (قاعِدةٌ: الأيدي المُستَوليةُ على مالِ الغَيرِ بغَيرِ إذنِه ثَلاثةٌ...) [581] ((القواعد)) (2/ 213). .
وقد تَنَبَّهَ ابنُ السُّبكيِّ إلى هذا المَوضوعِ فقال في كِتابِه "الأشباه والنَّظائِر": (وراءَ هذه القَواعِدِ ضَوابِطُ يَذكُرُها الفُقَهاءُ... وليست عِندَنا مِنَ القَواعِدِ الكُلِّيَّةِ، بَل مِنَ الضَّوابِطِ الجُزئيَّةِ المَوضوعةِ لتَدريبِ المُبتَدِئينَ لا لخَوضِ المُنتَهينَ، ولِتَمرينِ الطَّالِبينَ لا لتَحقيقِ الرَّاسِخينَ. والذي يَكثُرُ مِنَ التَّشاجُرِ فيه ويَعظُمُ الخَطبُ ما أورَدناه، وأمَّا هذه الضَّوابِطُ فالخَطبُ فيها يَسيرٌ. وهيَ مِثلُ قَولِنا: العَصَبةُ: كُلُّ ذَكَرٍ ليس بَينَه وبَينَ المَيِّتِ أُنثى. الولَدُ يَتبَعُ أباه في النَّسَبِ وأُمَّه في الرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، وأشرَفَهُما في الدِّينِ...) [582] ((الأشباه والنظائر)) (2/ 304- 305). ، إلى أن قال: (وعِندي أنَّ إدخالَها في القَواعِدِ خُروجٌ عَنِ التَّحقيقِ، ولَو فتَحَ الكاتِبُ بابَها لاستَوعَبَ الفِقهَ وكَرَّرَه ورَدَّدَه، وجاءَ به على غَيرِ الغالِبِ المَعهودِ، والتَّرتيبِ المَقصودِ، فحَيَّرَ الأذهانَ، وخَبَطَ الأفكارَ، وإذا استَحسَنَ ضَمَّ الشَّيءِ إلى نَظيرِه فبَعضُ مَسائِلِ البابِ أشبَهُ ببَعضِها مِن غَيرِ ذلك، والتَّرتيبُ على الأبوابِ هو الصَّوابُ... ومِنَ النَّاسِ مَن يُدخِلُ في القَواعِدِ تَقاسيمَ تَقَعُ في الفُروعِ يَذكُرُها أصحابُنا؛ حَيثُ يَتَرَدَّدُ الذِّهنُ، فهيَ ذاتُ أقسامٍ كَثيرةٍ، ولا تَعَلُّقَ لهذا بالقَواعِدِ رَأسًا... فلا لومَ عليهم، وإنَّما اللَّومُ على مَن يُدخِلُ ذلك في القَواعِدِ) [583] ((الأشباه والنظائر)) (2/ 306). .
وقال أيضًا: (ومِنهُم مَن يَشتَغِلُ بتَقريرِ كَونِه مَذهَبَ الصَّحابيِّ، والِاستِحسانُ مَثَلًا غَيرُ حُجَّةٍ، وهذا رَجُلٌ عَمَدَ إلى بابٍ مِن أبوابِ أُصولِ الفِقهِ فأحَبَّ النَّظَرَ فيه... وأغراضُ النَّاسِ تَختَلِفُ، ولِكُلٍّ مَقصِدٌ، ولَسنا نُنكِرُ على أحَدٍ مَقصِدَه، وإنَّما نُنكِرُ إدخالَ شَيءٍ في شَيءٍ لا يَليقُ به، ويَكبُرُ حَجمُ الكُتُبِ بما لا حاجةَ إلَيه... ومِنهُم مَن يُدخِلُ مَسائِلَ الأحاجيِّ والألغازِ، وهذا بابٌ مَليحٌ أفرَدَه بَعضُهُم بالتَّصنيفِ... وقد عَرَّفناكَ أنَّ فنَّ الألغازِ في نَفسِه حَسَنٌ؛ إلَّا أنَّه لا مَدخَلَ له في القواعِدِ) [584] ((الأشباه والنظائر)) (2/ 310). .

انظر أيضا: