موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: تَصَرُّفُ ‌المالكِ في مِلكِه لا يَتَقَيَّدُ بشَرطِ السَّلامةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "تَصَرُّفُ المالكِ في مِلكِه ‌لا ‌يَتَقَيَّدُ ‌بشَرطِ ‌السَّلامةِ" [4402] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/188)، ((الفتاوى العالمكيرية)) (5/ 398). ، وصيغةِ: "‌تَصَرُّفُ المَرءِ ‌بمِلكِه غَيرُ مُقَيَّدٍ ‌بشَرطِ ‌السَّلامةِ" [4403] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/ 92). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ للمالكِ حُرِّيَّةَ التَّصَرُّفِ في مِلكِه كَيفما شاءَ، ما دامَ أنَّ التَّصَرُّفَ في نِطاقِ حَقِّه ومِلكِه؛ وذلك لأنَّ المِلكيَّةَ تُعطي صاحِبَها سُلطةً واسِعةً على ما يَملكُه، ولا يُشتَرَطُ أن تَكونَ أفعالُه وتَصَرُّفاتُه في مِلكِه مَشروطةً بكَونِها تَعودُ بالسَّلامةِ أوِ الفائِدةِ عليه، إلَّا إذا تَرَتَّبَ على تَصَرُّفِه ضَرَرٌ بالغَيرِ، فيَعودُ الأمرُ إلى الخِلافِ السَّابقِ ذِكرُه في القاعِدةِ (للإنسانِ أن يَتَصَرَّفَ في مِلكِه كَيفما شاءَ)، فالجُمهورُ يَمنَعونَ أن يَتَصَرَّفَ في مِلكِه تَصَرُّفًا يَضُرُّ بغَيرِه، والحَنَفيَّةُ يُجيزونَ له مُطلَقَ التَّصَرُّفِ إلَّا إذا كان الضَّرَرُ فاحِشًا فيُمنَعُ مِنه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (المِلكُ أقوى مِنَ اليَدِ) [4404] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/188)، ((الفتاوى الهندية)) (5/398). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (للإنسانِ أن يَتَصَرَّفَ في مِلكِه كَيفما شاءَ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أمثِلةٍ في قاعِدةِ (للإنسانِ أن يَتَصَرَّفَ في مِلكِه كَيفما شاءَ) ويُضافُ إلَيها:
لَو أحرَقَ عُشبًا في أرضِه وكانتِ الرِّياحُ هادِئةً حينَ أوقدَ النَّارَ فذَهَبَتِ النَّارُ يَمينًا وشِمالًا، وأحرَقَت شَيئًا لغَيرِه، لَم يَضمَنْه؛ لأنَّه غَيرُ مُتَعَدٍّ في هذا السَّبَبِ، فإنَّ له أن يوقِدَ النَّارَ في مِلكِ نَفسِه مُطلَقًا، وتَصَرُّفُ المالكِ في مِلكِه لا يَتَقَيَّدُ بشَرطِ السَّلامةِ، وهذا بخِلافِ ما إذا أوقدَ النَّارَ في يَومِ ريحٍ وهو يَعلَمُ أنَّ الرِّيحَ يَذهَبُ بالنَّارِ إلى مِلكِ غَيرِه، فإنَّه يَكونُ ضامِنًا بمَنزِلةِ ما لَو أوقدَ النَّارَ في مِلكِ غَيرِه [4405] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/188)، ((الفتاوى الهندية)) (5/398). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
للإنسانِ أن يَتَصَرَّفَ في مِلكِه ولا يَتَقَيَّدُ بشَرطِ السَّلامةِ، ولَكِن يُستَثنى مِن هذه التَّصَرُّفاتِ ما ورَدَ في القاعِدةِ السَّابقةِ مِن قُيودٍ، ويُضافُ إلَيها:
أن لا تَكونَ مِنَ الأُمورِ العامَّةِ بَينَ النَّاسِ فإنَّها تُقَيَّدُ بشَرطِ السَّلامةِ: ومِثالُ ذلك المُرورُ في طَريقِ المُسلمينَ، فهو مُباحٌ، ولَكِنَّه مُقَيَّدٌ بشَرطِ السَّلامةِ؛ لأنَّه يَتَصَرَّفُ في حَقِّه مِن وجهٍ، وفي حَقِّ غَيرِه مِن وجهٍ؛ لكَونِه مُشتَرَكًا بَينَ كُلِّ النَّاسِ [4406] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/ 479)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/ 149). .

انظر أيضا: