المَبحَثُ الرَّابعَ عَشَرَ: المَضموناتُ هَل تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ أم لا؟
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (المَضموناتُ هَل تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ أم لا؟)
[4349] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (3/96). ، وصيغةِ: (حُكمُ المَضموناتِ أنَّها تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ)
[4350] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/217). ، وصيغةِ: (المَضموناتُ تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ)
[4351] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/298)، ((إيثار الإنصاف)) لسبط ابن الجوزي (ص: 256). ، وصيغةِ: (المَضموناتُ تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ مُستَنِدًا إلى وقتِ وُجودِ السَّبَبِ)
[4352] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/584). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.إذا أدَّى الضَّامِنُ قيمةَ الشَّيءِ المَضمونِ أو بَدَلًا عنه، فإنَّ الشَّيءَ المُتلَفَ إن بَقيَ مِنه شَيءٌ أو كان له بَقايا أو كان ضائِعًا ثُمَّ وُجِدَ بَعدَ أن ضُمِنَ مِثلُه أو قيمَتُه، هَل يُصبحُ مِلكًا للضَّامِنِ مُقابلَ هذا الضَّمانِ أو لا؟ في هذا خِلافٌ بَينَ العُلَماءِ؛ فالحَنَفيَّةُ يَرَونَ أنَّ المَضمونَ يُملَكُ بالضَّمانِ، فأداءُ الضَّمانِ يُعَدُّ بَدَلًا عنِ المَضمونِ، والشَّافِعيَّةُ يَرَونَ أنَّ المَضمونَ لا يَدخُلُ في مِلكِ الضَّامِنِ، فلا تُصبحُ المَضموناتُ مِلكًا للضَّامِنِ بمُجَرَّدِ دَفعِ الضَّمانِ
[4353] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (3/96)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/217)، ((الهداية)) للمرغيناني (4/298)، ((إيثار الإنصاف)) لسبط ابن الجوزي (ص: 256)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/584)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 217،216). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.استَدَلَّ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَضموناتِ تُملَكُ بالضَّمانِ بالمَعقولِ:وهو أنَّ الضَّمانَ لمَّا كان بَدَلًا عنِ العَينِ فالجَمعُ بَينَ البَدَلِ والمُبدَلِ عنه في حَقِّ شَخصٍ واحِدٍ مُتَناقِضٌ، فكان مِن ضَرورةِ مِلكِ المالكِ الضَّمانَ زَوالُ مِلكِه عنِ المَضمونِ
[4354] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 216). .
واستَدَلَّ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَضموناتِ لا تُملَكُ بالضَّمانِ بالمَعقولِ أيضًا:وهو أنَّ الضَّمانَ في مُقابَلةِ اليَدِ؛ لأنَّها هيَ الفائِتةُ، ومِلكُ العَينِ قائِمٌ، فإيجابُ البَدَلِ عنه مُحالٌ، وإنَّما يَجِبُ الضَّمانُ بَدَلًا عَمَّا فاتَ
[4355] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 216). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- المودَعُ والمُستَعيرُ إذا تَصَرَّفا ورَبِحا فقال أبو يوسُفَ: يَطيبُ لَهمُ الرِّبحُ؛ لأنَّه حَصَلَ في ضَمانِهم؛ لمِلكِهمُ الأصلَ ظاهرًا؛ فإنَّ المَضموناتِ تُملَكُ بأداءِ الضَّمانِ
[4356] يُنظر: ((الاختيار لتعليل المختار)) لابن مودود الموصلي (3/61)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/225). .
2- إذا غَصَبَ شَخصٌ سَيَّارةَ آخَرَ، ثُمَّ ادَّعى سَرِقَتَها أو ضَياعَها أو هَلاكَها، وأدَّى لصاحِبِها ضَمانَها وغَرامَتَها، ثُمَّ وجَدَها، فإنَّ على القَولِ الأوَّلِ أنَّ الغاصِبَ عِندَما أدَّى الضَّمانَ فقد مَلَكَ السَّيَّارةَ المَغصوبةَ، ولا حَقَّ لصاحِبِها في استِرجاعِها وقد أخَذَ قيمَتَها.
وعلى القَولِ الثَّاني: لصاحِبِها حَقُّ رَدِّ الضَّمانِ المَأخوذِ واستِرجاعِ سَيَّارَتِه
[4357] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/ 652). .
3- إذا غَصَبَ رَجُلٌ شاةً مَملوكةً لآخَرَ، فضَحَّى بها عن نَفسِه، لَم يَجُزْ؛ لعَدَمِ المِلكِ، ولا تَقَعُ أُضحيَّةً عن صاحِبِها، فإن ضَمَّنَه صاحِبُها قيمَتَها حَيَّةً فإنَّها تُجزِئُ عنِ الذَّابحِ؛ لأنَّه مَلَكَها بالضَّمانِ مِن وقتِ الغَصبِ بطَريقِ الاستِنادِ، فصارَ ذابحًا شاةً هيَ مِلكُه، فيُجزِئُه لَكِنَّه يَأثَمُ؛ لأنَّ ابتِداءَ فِعلِه وقَعَ مَحظورًا، فتَلزَمُه التَّوبةُ والاستِغفارُ، وهذا على القَولِ بأنَّ المَضموناتِ تُملَكُ بالضَّمانِ.
وعلى القَولِ الثَّاني: فإنَّها لا تُجزِئُ أُضحيَّةً عنِ الذَّابحِ أيضًا بناءً على أنَّ المَضموناتِ لا تُملَكُ بالضَّمانِ
[4358] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/ 9). ويُنظر أيضًا: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 73). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.قَيدٌ:القَولُ بمِلكِ المَضمونِ بالضَّمانِ ليس على إطلاقِه، بَل هو مُقَيَّدٌ بأُمورٍ، كَكَونِه مِمَّا يَجوزُ تَمليكُه بالتَّراضي، وفواتِ عَينِه أو رِضا المالكِ بالقيمةِ إذا لم تَفُتْ، أو إذا ظَهَرَت بَعدَ استيفائِه قيمَتَها
[4359] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 215)، ((معلمة زايد)) (14/ 552). .