موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ التَّاسِعُ: قاعِدةُ الخَراجُ بالضَّمانِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (الخَراجُ بالضَّمانِ) [4252] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (2/204)، ((المنثور)) للزركشي (2/119)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 135). ، وصيغةِ: (الغَلَّةُ بالضَّمانِ) [4253] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (3/240). ، وصيغةِ: (ضَمانُ الخَراجِ بضَمانِ الأصلِ) [4254] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 149). ، وصيغةِ: (مِلكُ الخَراجِ بضَمانِ الأصلِ) [4255] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (1/ 431). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
ما خَرَجَ مِنَ الشَّيءِ مِن عَينٍ ومَنفَعةٍ وغَلَّةٍ فهو للمُشتَري، وذلك عِوضٌ في مُقابِلِ ما كان عليه مِن ضَمانِ المِلكِ، فإنَّه لَو تَلِف المَبيعُ كان مِن ضَمانِه، فتَكونُ المَنفَعةُ له؛ ليَكونَ الغُنْمُ في مُقابَلةِ الغُرمِ، فإذا ابتاعَ الرَّجُلُ أرضًا فأشغَلَها أو ماشيةً فنَتَجَها أو دابَّةً فرَكِبَها، ثُمَّ وجَدَ بها عَيبًا، فلَه أن يَرُدَّها ولا شَيءَ عليه فيما انتَفعَ به، أي: ليس عليه رَدُّ هذه المَنافِعِ؛ لأنَّها لَو تَلِفَت ما بَينَ مُدَّةِ العَقدِ والفَسخِ لَكانت مِن ضَمانِ المُشتَري، فوجَبَ أن يَكونَ الخَراجُ مِن حَقِّه [4256] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/147)، ((المنثور)) للزركشي (2/119)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/41)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 136)، ((فيض القدير)) للمناوي (3/503). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
استُدِلَّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
وممَّن نَقَل الإجماعَ على هذه القاعِدةِ وما كان في مَعناها: ابنُ قُدامةَ [4257] قال: (... مَنافِعُها الحاصِلةُ مِن جِهَتِها، كالخِدمةِ، والأُجرةِ، والكَسبِ، وكَذلك ما يوهَبُ أو يوصى له به، فكُلُّ ذلك للمُشتَري في مُقابَلةِ ضَمانِه؛ لأنَّ العَبدَ لَو هَلَكَ هَلَكَ مِن مالِ المُشتَري، وهو مَعنى قَولِه عليه السَّلامُ: ((الخَراجُ بالضَّمانِ))، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا... وبهذا قال أبو حَنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعيُّ، ولا نَعلَمُ عَن غَيرِهم خِلافَهم). ((المغني)) (6/ 226- 227). ، وابنُ رُشدٍ [4258] قال: (الخَراج بالضَّمانِ: وهو أصلٌ مُتَّفَقٌ عليهـ). ((بداية المجتهد)) (3/ 192). ، وابنُ الطَّلَّاعِ [4259] قال: (أجمَعَ المُسلمونَ على الحُكمِ بالغَلَّةِ بالضَّمانِ). ((أقضية رسول اللهـ)) (ص: 84). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا ابتاعَ الرَّجُلُ نَخلًا وأكَلَ ثَمَرَتَها ثُمَّ وَجدَ بها عَيبًا، فلَه أن يَرُدَّها في قَولِ مالكِ بنِ أنَسٍ، ولا يَغرَمُ ما أكَلَ [4260] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (3/352). .
2- لَوِ اشتَرى رَجُلٌ دارًا أو جِنانًا أو غَنَمًا فاستَغَلَّها زَمانًا، أو كانتِ الغَلَّةُ قائِمةً في يَدَيه، ثُمَّ استَحَقَّ ذلك مِن يَدَيه مُستَحِقٌّ، فأخذ ما وجَدَ مِن دارِه أو جِنانِه أو غَنَمِه، لَم يَكُنْ له فيما استَغَلَّ المُشتَري شَيءٌ [4261] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (3/389). .
3- إذا ورِثَ مِن أخيه دارًا فسَكَنَها ظانًّا أنْ لَا وارِثَ مَعَه، ثُمَّ تَبَيَّنَ أنَّ مَعَه وارِثًا، فليس عليه دَفعُ أيِّ شَيءٍ في مُقابِلِ سُكناه؛ لأنَّ الخَراجَ بالضَّمانِ [4262] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (8/223). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
1- رَدُّ المُصَرَّاةِ: فالمُشتَري يَرُدُّها مَعَ صاعٍ مِن تَمرٍ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُصَرُّوا الإبِلَ والغَنَمَ [4263] التَّصريةُ: هيَ أن يُحبَسَ اللَّبَنُ في الضَّرعِ أيَّامًا فلا تُحلَب، فيَظُنُّ المُشتَري أنَّها هَكَذا كُلَّ يَومٍ، فيَغتَرُّ بذلك ويَنخَدِعُ. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/ 276). ، فمَنِ ابتاعَها بَعدَ ذلك فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ بَعدَ أن يَحلُبَها: إن رَضيَها أمسَكَها، وإن سَخِطَها رَدَّها وصاعًا مِن تَمرٍ)) [4264] يُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 557). .
 2- الغَصبُ: فالغاصِبُ عليه الضَّمانُ، وليس له خَراجٌ [4265] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (3/ 608). .

انظر أيضا: