المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ الغُنْمُ بالغُرمِ: مَن سَقَطَت عنه العُقوبةُ بإتلافِ نَفسٍ أو طَرَفٍ مَعَ قيامِ المُقتَضي له لمانِعٍ فإنَّه يَتَضاعَفُ عليه الغُرمُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (مَن سَقَطَت عنه العُقوبةُ بإتلافِ نَفسٍ أو طَرَفٍ، مَعَ قيامِ المُقتَضي له لمانِعٍ فإنَّه يَتَضاعَفُ عليه الغُرمُ)
[4243] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((مجلة الأحكام الشرعية)) للقاري (ص: 101). ، وصيغةِ: (مَن سَقَطَت عنه العُقوبةُ لموجِبٍ ضوعِفَ عليه الضَّمانُ)
[4244] يُنظر: ((القواعد والأصول الجامعة)) للسعدي (ص: 157). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. إذا اعتَدى شَخصٌ على آخَرَ فأتلَفَ نَفسَه أو طَرَفًا مِن أطرافِه، وسَقَطَت عنه العُقوبةُ المُقَرَّرةُ شَرعًا بسَبَبِ وُجودِ مانِعٍ مِنَ المَوانِعِ أو فواتِ شَرطٍ مِنَ الشُّروطِ، فإنَّ الغُرمَ الواجِبَ يَتَضاعَفُ عليه جَزاءَ هذا الاعتِداءِ، وهيَ تُعتَبرُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الغُنْمُ بالغُرمِ)
[4245] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 436). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ، ومِن ذلك:
عَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ؟ فقال:
((من أصابَ مِن بفيه من ذي حاجةٍ غَيرَ مُتَّخِذٍ خُبنةً فلا شَيءَ عليه، ومَن خَرَجَ بشَيءٍ مِنه فعليه غَرامةُ مِثلَيه والعُقوبةُ)) [4246] أخرجه أبو داود (1710) واللفظ له، والترمذي (1289)، والنسائي (4958). حسنه الترمذي، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (7/282)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/654)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1710). وذهب إلى تصحيحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/257). .
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوجَبَ غَرامةَ المِثلَينِ في سَرِقةِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ مِن غَيرِ حِرزٍ؛ لفَقدِ شَرطِ العُقوبةِ فيه
[4247] يُنظر: ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/319)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (8/152). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا قَتَلَ مُسلمٌ ذِمِّيًّا عَمدًا فإنَّه لا يَجِبُ عليه القِصاصُ؛ لعَدَمِ المُكافأةِ، ويَضمَنُه بدِيَةِ مُسلِمٍ
[4248] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 436). .
2- مَن سَرَقَ مِن غَيرِ حِرزٍ فإنَّه يَتَضاعَفُ عليه الغُرمُ
[4249] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/79)، ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((المنح الشافيات)) للبهوتي (2/731). .
3- مَنِ التَقَطَ ما لا يَجوزُ التِقاطُه وكَتمه عن صاحِبِه، ثُمَّ ثَبَتَ ببَيِّنةٍ أو إقرارٍ، فتَلِفَ، فإنَّه يَضمَنُه بقيمَتِه مَرَّتَينِ، نَصَّ عليه أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ في رِوايةٍ مُعَلِّلًا: بأنَّ التَّضعيفَ في الضَّمانِ هو لدَرءِ القَطعِ
[4250] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/43،42)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/378). .
4- إذا قَلَعَ الأعورُ عَينَ الصَّحيحِ؛ فإنَّه لا يُقتَصُّ مِنه، ويَلزَمُه الدِّيةُ كامِلةً عِندَ الحَنابلةِ؛ لأنَّه لَو شُرِعَ القِصاصُ في عَينِه العَوراءِ لَأدَّى ذلك إلى ذَهابِ بَصَرِه بالكُلِّيَّةِ، وهذا حَيفٌ، ومِن شَرطِ إقامةِ القِصاصِ الأمنُ مِنَ الحَيفِ؛ ذلك لأنَّ الصَّحيحَ بَقيَت له عَينٌ يَنظُرُ بها، وأمَّا الأعورُ فإنَّه ليس له إلَّا عَينٌ واحِدةٌ يَنظُرُ بها، والأُخرى مَمسوحةٌ، فلَو قَلَعناها قِصاصًا لَذَهَبَ بَصَرُه بالكُلِّيَّةِ، فسَقَطَت عنه عُقوبةُ القِصاصِ، فلَمَّا سَقَطَت عنه ضوعِفَ عليه الغُرمُ، فتَكونُ عليه الدِّيةُ كامِلةً مَعَ أنَّ العَينَ الواحِدةَ فيها نِصفُ الدِّيةِ، لَكِن ضوعِفَ عليه الغُرمُ لسُقوطِ العُقوبةِ عنه
[4251] يُنظر: ((الحجة على أهل المدينة)) لمحمد بن الحسن (4/302)، ((الأم)) للشافعي (7/333)، ((القواعد)) لابن رجب (3/43)، ((تلقيح الأفهام)) للسعيدان (ص: 322- 323). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش