موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني عَشَرَ: ما كان حَقًّا للهِ استُعينَ ببَعضِه على بَعضٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذا المَعنى في الصِّيَغِ الآتيةِ: صيغةِ: كُلُّ ما كان للهِ استُعينَ ببَعضِه على بَعضٍ [3686] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (6/338). ، وصيغةِ: كُلُّ ما كان للهِ فلا بَأسَ أن يُستَعانَ ببَعضِه على بَعضٍ [3687] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (6/130)، ((التوضيح)) لخليل (7/300)، ((المختصر الفقهي)) لابن عرفة (8/469)، ((التاج والإكليل)) للمواق (7/647)، ((الإتقان والإحكام)) لميارة (2/139)، ((لوامع الدرر)) للمجلسي (11/416). ، وصيغةِ: ما كان للهِ لا بَأسَ أن يُستَعانَ ببَعضِه على بَعضٍ، ويُنقَلَ بَعضُه إلى بَعضٍ [3688] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/82). ، وصيغةِ: ما كان للَّهِ واستُغنيَ عنه فجائِزٌ أن يُستَعمَلَ في غَيرِ ذلك الوَجهِ ما هو للَّهِ [3689] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (7/647). ، وصيغةِ: كُلُّ ما كان للهِ تَعالى فإنَّه يُستَعانُ به في مِثلِه [3690] يُنظر: ((لوامع الدرر)) للمجلسي (11/416). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ المالِكيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ما كان حَقًّا للهِ تَعالى ولا يَتَعَلَّقُ به حَقٌّ لغَيرِه فلا بَأسَ بصَرفِ بَعضِه إلى بَعضٍ على سَبيلِ التَّوسُّعِ؛ لأنَّ الكُلَّ حَقٌّ للَّهِ، ويَمتَنِعُ ذلك في حُقوقِ العِبادِ؛ لأنَّ جِهاتِهم مُتَعَدِّدةٌ، فما كان للمَخلوقينَ مِنَ الحُقوقِ يُنقَلُ الحَقُّ فيه مِن مالِكٍ إلى مالِكٍ غَيرِه، وهو مُمتَنِعٌ، وفي القاعِدةِ: لا يُنقَلُ مِن مالِكٍ إلى مالِكٍ، وإنَّما يُنقَلُ مِن وَجهِ مَنفَعةٍ إلى وجهٍ آخَرَ، وهو كُلُّه للهِ تَعالى، فلا بَأسَ أن يُستَعانَ ببَعضِه على بَعضٍ، ويُنقَلَ بَعضُه إلى بَعضٍ [3691] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/82)، ((المنتقى)) للباجي (6/130)، ((الذخيرة)) للقرافي (6/338). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ.
ومِمَّن نَقَلَه: ابنُ قُدامةَ [3692] قال: (قال أبو بَكرٍ: وبالقَولِ الأوَّلِ أقولُ؛ لإجماعِهِم على جَوازِ بَيعِ الفَرَسِ الحَبيسِ -يَعني المَوقوفةَ على الغَزوِ- إذا كَبِرَت، فلَم تَصلُحْ لِلغَزوِ، وأمكَنَ الِانتِفاعُ بها في شَيءٍ آخَرَ، مِثلُ أن تَدورَ في الرَّحى، أو يُحمَلَ عليها تُرابٌ، أو تَكونَ الرَّغبةُ في نِتاجِها، أو حِصانًا يُتَّخَذُ لِلطِّراقِ، فإنَّهُ يَجوزُ بَيعُها، ويُشتَرى بثَمَنِها ما يَصلُحُ لِلغَزوِ... ولَنا: ما رُويَ أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كَتَبَ إلى سَعدٍ لَمَّا بَلَغَه أنَّه قد نُقِبَ بَيتُ المالِ الذي بالكوفةِ، أنِ انقُلِ المَسجِدَ الذي بالتَّمارينِ، واجعَلْ بَيتَ المالَ في قِبلةِ المَسجِدِ، فإنَّه لَن يَزالَ في المَسجِدِ مُصَلٍّ. وكان هذا بمَشهَدٍ مِنَ الصَّحابةِ، ولَم يَظهَرْ خِلافُهُ، فكانَ إجماعًا). ((المغني)) (8/221-222). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا كانتِ الأوقافُ كُلُّها للهِ تَعالى لا يَتَعَلَّقُ بها حَقٌّ لغَيرِه فلا بَأسَ بصَرفِ بَعضِها إلى بَعضٍ، كالمَقابِرِ التي هيَ وقفٌ مِن أوقافِ المُسلِمينَ لدَفنِ مَوتاهم لا يَجوزُ لأحَدٍ تَمَلُّكُها، فإذا عَفَت ودَثَرَت واستُغنيَ عنِ الدَّفنِ فيها جازَ صَرفُها إلى المَسجِدِ؛ لأنَّ المَسجِدَ أيضًا وقفٌ مِن أوقافِ المُسلِمينَ لا يَجوزُ تَمَلُّكُه لأحَدٍ، كما لا يَجوزُ تَمَلُّكُ المَقبَرةِ، فلا بَأسَ بنَقلِها إلى المَسجِدِ إذا دَثَرَت، فمَعناهما واحِدٌ في الحُكمِ؛ لأنَّ ما كان للهِ لا بَأسَ أن يُستَعانَ ببَعضِه على بَعضٍ، ويُنقَلَ بَعضُه إلى بَعضٍ [3693] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/82)، ((المنتقى)) للباجي (6/130)، ((مدونة أحكام الوقف)) (2/188). .
2- ما كان للمَسجِدِ مِن فرشٍ وغَيرِه وقد عَفا وليس فيه كَثيرُ مَنفَعةٍ، فإنَّه يَجوزُ تَحويلُه إلى أشياءَ أُخرى تُجعَلُ في مَنفَعةِ المَسجِدِ، وكَذلك يَجوزُ نَقلُه مِنَ المَسجِدِ ليُنتَفَعَ به في مَسجِدٍ آخَرَ. وكَذلك نَقلُ أنقاضِ المَسجِدِ إذا دَثَرَ وأويِسَ مِن عِمارَتِه لخَرابِ البَلَدِ ونَحوِه إلى مَسجِدٍ آخَرَ؛ لأنَّ ما كان للهِ واستُغنيَ عنه فجائِزٌ أن يُستَعمَلَ في غَيرِ ذلك الوَجهِ ما هو للهِ [3694] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (7/300)، ((التاج والإكليل)) للمواق (7/647)، ((الإتقان والإحكام)) لميارة (2/139). .

انظر أيضا: