موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: كُلُّ حَقٍّ يَجوزُ التَّوكيلُ فيه لا يَجوزُ للحاكِمِ أن يَحبِسَ فيه المُمتَنِعَ ما أمكَنَ التَّوصُّلُ إليه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ حَقٍّ يَجوزُ التَّوكيلُ فيه لا يَجوزُ للحاكِمِ أن يَحبِسَ فيه المُمتَنِعَ ما أمكَنَ التَّوصُّلُ إليه" [3453] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/392). ، وصيغةِ: "كُلُّ حَقٍّ يَصِحُّ التَّوكيلُ فيه لا يَجوزُ للحاكِمِ أن يُخَلِّصَ فيه المُمتَنِعَ ما أمكَنَ التَّوصُّلُ إليه" [3454] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/449). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ الحَبسُ في الحَقِّ إذا تَمَكَّنَ الحاكِمُ مِنِ استيفائِه" [3455] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/80)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/312)، ((معين الحكام)) للطرابلسي (ص: 199). ، وصيغةِ: "الحاكِمُ يَقومُ مَقامَ المُمتَنِعِ بوِلايَتِه" [3456] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/420)، ((الممتع)) لابن المنجى (2/535)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/204)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (8/111). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الحُقوقَ التي يَجوزُ التَّوكيلُ أوِ النِّيابةُ فيها وأمكَنَ التَّوصُّلُ إلَيها بأيِّ وسيلةٍ غَيرِ الحَبسِ، فلا يَجوزُ للحاكِمِ أن يَحبِسَ فيه المُمتَنِعَ عن أدائِه؛ لأنَّ الحاكِمَ يَقومُ مَقامَ المُمتَنِعِ بوِلايَتِه، فيَجِبُ عليه إيفاءُ الحُقوقِ وإبقاؤُها على المُستَحِقِّ على حَسَبِ الإمكانِ، وليس له أن يُبرِئَ؛ لأنَّه لا يَملِكُ الإبراءَ؛ لما فيه مِنَ الضَّرَرِ. فإذ لَم يُمكِنِ التَّوصُّلُ إلى الحَقِّ بغَيرِ طَريقِ الحَبسِ، فلِلحاكِمِ أن يَحبِسَ المُمتَنِعَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الحَقَّ إلى صاحِبِه؛ لأنَّ الحَبسَ وإن كان مَفسَدةً في حَقِّ المَحبوسِ لَكِنَّه جازَ لمَصالِحَ تَرجَحُ على مَفسَدَتِه [3457] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/420)، ((قواعد الأحكام)) (1/118)، ((الغاية)) (4/45) كلاهما للعز بن عبد السلام، ((الفروق)) للقرافي (4/79)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/312)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/449)، ((معين الحكام)) للطرابلسي (ص: 199)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/392). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الأصلُ رَدُّ الحُقوقِ بأعيانِها عِندَ الإمكانِ)؛ لأنَّ الحَقَّ الذي يَجوزُ التَّوكيلُ أوِ النِّيابةُ فيه، ويُمكِنُ التَّوصُّلُ إلى هذا الحَقِّ بعَينِه، فلا يُعدَلُ عنه إلى الحَبسِ؛ لأنَّه قد أمكَنَ رَدُّ الحَقِّ بعَينِه، والأصلُ رَدُّ الحُقوقِ بأعيانِها عِندَ الإمكانِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ رَدُّ الحُقوقِ بأعيانِها عِندَ الإمكانِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ:
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا أسلَمَ الرَّجُلُ على أكثَرَ مِن أربَعِ نِسوةٍ، وأسلَمنَ مَعَه أو بَعدَه في العِدَّةِ، أو كُنَّ كِتابيَّاتٍ، وقَعَتِ الفُرقةُ بَينَه وبَينَ الزِّيادةِ على أربَعٍ بالإسلامِ، ويَجِبُ عليه الاختيارُ والتَّعيينُ، وإنِ امتَنَعَ حُبِسَ. فإن أصَرَّ ولَم يَنفَعِ الحَبسُ، عُزِّرَ بما يَراه القاضي [3458] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (7/169)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (21/48). .
2- إذا امتَنَعَ مَن عليه الدَّينُ مِن دَفعِ الدَّينِ، ونَحنُ نَعرِفُ مالَه، أخَذَ مِنه الحاكِمُ مِقدارَ الدَّينِ، ولا يَجوزُ له حَبسُه، وكَذلك إذا ظَفِرَ بمالِه أو دارِه أو شَيءٍ يُباعُ له في الدَّينِ، سَواءٌ أكان رَهنًا أم لا، باعَه عليه ولا يَحبِسُه [3459] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/80). ويُنظر أيضًا: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/473)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/312). .

انظر أيضا: