موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسُ: حُكمُ المُجمَلِ


يَجِبُ التَّوقُّفُ فيه حتَّى يَتَبَيَّنَ المُرادُ مِنه، فلا يَصِحُّ الاحتِجاجُ بظاهرِه في شَيءٍ يَقَعُ فيه النِّزاعُ، ولا يَجوزُ العَمَلُ به حتَّى يَأتيَ دَليلٌ يَدُلُّ على أنَّ المُرادَ به أحَدُ المَعنَيَينِ .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ اللَّهَ تعالى لَم يُكَلِّفْنا العَمَلَ بما لا دَليلَ عليه، والمُجمَلُ لا دَليلَ على المُرادِ به، فلا نُكَلَّفُ بالعَمَلِ به .
2- أنَّ في العَمَلِ به تَعَرُّضًا بالخَطَأِ في حُكمِ الشَّرعِ، والتَّعَرُّضُ بالخَطَأِ في حُكمِ الشَّرعِ لا يَجوزُ؛ وذلك لأنَّ اللَّفظَ إذا تَرَدَّدَ بَينَ مَعنَيَينِ: فإمَّا أن يُرادا جَميعًا، أو لا يُرادَ واحِدٌ مِنهما، أو يُرادَ أحَدُهما دونَ الآخَرِ:
فإن كان الأوَّلَ، وهو أن يُرادا مَعًا، فهو باطِلٌ؛ لاستِحالةِ العَمَلِ بمَعنَيَينِ، كُلُّ واحِدٍ مِنهما ضِدُّ الآخَرِ.
وإن كان الثَّانيَ، وهو أن لا يُرادَ واحِدٌ مِنهما، فهو باطِلٌ كذلك؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى خُلوِّ اللَّفظِ عنِ المَعنى.
فيَبقى أن يُرادَ أحَدُ المَعنَيَينِ دونَ الآخَرِ، لَكِنَّنا لا نَعرِفُ المَعنى المُرادَ إلَّا بدَليلٍ خارِجيٍّ، ولا دَليلَ على إرادةِ واحِدٍ منها.
فإذا أقدَمنا على العَمَلِ قَبلَ البَيانِ احتَمَلَ أن نوافِقَ مُرادَ الشَّرعِ؛ فنُصيبَ حُكمَه، واحتَمَلَ أن نُخالِفَه فنُخطِئَ حُكمَه؛ فتَحَقَّق بذلك أنَّ العَمَلَ بالمُجمَلِ قَبلَ البَيانِ تَعَرُّضٌ بالخَطَأِ في حُكمِ الشَّرعِ .
حُكمُ بَقاءِ المُجمَلِ بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
اختَلَف الأُصوليُّونَ في أنَّه هَل يُمكِنُ بَقاءُ لَفظٍ مُجمَلٍ في القُرآنِ، أو في الحَديثِ غَيرَ مُبَيَّنٍ؟
والرَّاجِحُ: أنَّ المُجمَلَ إن كان مُتَعَلِّقًا باعتِقادٍ، أو بكَيفيَّةِ عَمَلٍ، فإنَّه لَم يَبقَ بدونِ بَيانٍ بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولا يُمكِنُ ذلك لأنَّ تَأخيرَ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ لا يَجوزُ، أمَّا إن لَم يَتَعَلَّقْ به حُكمٌ تَكليفيٌّ فيَجوزُ بَقاؤُه مجمَلًا؛ لعَدَمِ وُجودِ ضَرورةٍ تَدعو إلى بَيانِه .
قال إمامُ الحَرَمَينِ: (المُختارُ عِندَنا أنَّ كُلَّ ما يَثبُتُ التَّكليفُ في العَمَلِ به يَستَحيلُ استِمرارُ الإجمالِ فيه؛ فإنَّ ذلك يَجُرُّ إلى تَكليفِ المُحالِ، وما لا يَتَعَلَّقُ بأحكامِ التَّكليفِ فلا يَبعُدُ استِمرارُ الإجمالِ فيه، واستِئثارُ اللَّهِ تعالى بسِرٍّ فيه، وليس في العَقلِ ما يُحيلُ ذلك، ولَم يَرِدِ الشَّرعُ بما يُناقِضُهـ) .
وقيلَ: يَجوزُ بَقاءُ المُجمَلِ مُطلَقًا. وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ .
وقيلَ: لا يَجوزُ بَقاءُ المُجمَلِ بدونِ بَيانٍ مُطلَقًا. وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/518)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/655)، ((البحر المحيط)) للزركشي (5/62).
  2. (2) يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/655).
  3. (3) يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/655)، ((الجامع)) لعبد الكريم النملة (ص: 198).
  4. (4) يُنظر: ((جمع الجوامع)) لابن السبكي (ص: 22)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/203)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (1/428).
  5. (5) ((البرهان)) (1/156).
  6. (6) يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (2/203)، ((الغيث الهامع)) لأبي زرعة العراقي (ص: 113).
  7. (7) يُنظر: ((البحر المحيط)) (2/203)، ((تشنيف المسامع)) كلاهما للزركشي (1/325)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (1/427).