موسوعة أصول الفقه

الفرعُ السَّادِسُ: تَطبيقاتٌ على التَّأويلِ الصَّحيحِ


قال الزَّركَشيُّ: (جَرَت عادةُ الأُصوليِّينَ بذِكرِ ضُروبٍ مِنَ التَّأويلاتِ هاهنا كالرِّياضةِ للأفهامِ؛ ليَتَمَيَّزَ الصَّحيحُ منها عنِ الفاسِدِ، حتَّى يُقاسَ عليها ويَتَمَرَّنَ النَّاظِرُ فيها) .
ومِن هذه التَّطبيقاتِ ما يَلي :
1- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا كَفَّرَ الرَّجُلُ أخاه فقد باءَ بها أحَدُهما)) .
فقد أوَّلَه كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ على أنَّ مَعناه: أنَّه رَجَعَت عليه نَقيصَتُه لأخيه، ومَعصيةُ تَكفيرِه، فليس المُرادُ ظاهِرَه، وهو أنَّه يَكفُرُ، ودَليلُ ذلك أنَّه لا يَكفُرُ المُسلِمُ بالمَعاصي كالقَتلِ والزِّنا، وكذا قَولُه لأخيه: يا كافِرُ، مِن غَيرِ اعتِقادِ بُطلانِ دينِ الإسلامِ.
2- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقطَعُ صَلاتَه الحِمارُ والمَرأةُ والكَلبُ الأسوَدُ)) .
فقد أوَّلَه جُمهورُ العُلَماءِ على أنَّ مُرورَ هذه المَذكوراتِ لا تُبطِلُ الصَّلاةَ، وقالوا: إنَّ المُرادَ بالقَطعِ هنا نَقصُ الصَّلاةِ؛ لشَغلِ القَلبِ بهذه الأشياءِ، وليس المُرادُ إبطالَها، أي: أنَّ المُرادَ بالقَطعِ عنِ الخُشوعِ والذِّكرِ للشَّغلِ بها والِالتِفاتِ إليها، لا أنَّها تُفسِدُ الصَّلاةُ.
3- قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ)) .
فقد أوَّلَه كَثيرٌ مِنَ العُلَماءِ على أنَّ المُرادَ: لا يَدخُلُ الجَنَّةَ دُخولَ الفائِزينَ.
4- قَولُه تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ظاهِرُ اللَّفظِ أن يُستَعاذَ بَعدَ القِراءةِ؛ لأنَّ الفاءَ تَقتَضي التَّرتيبَ، لَكِنَّ جُمهورَ الأُمَّةِ على أنَّ الاستِعاذةَ قَبلَ القِراءةِ، وتَأويلُ الآيةِ: إذا أرَدتَ قِراءةَ القُرآنِ فاستَعِذْ باللهِ .
5- قَولُه تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ المُرادُ بالنِّسيانِ هنا: التَّركُ عَمدًا، مَعناها: تَرَكوا أوامِرَ اللهِ وجَعَلوها وراءَ ظُهورِهم.
فَنَسِيَهُمْ اللَّهُ، تَرَكَهمُ اللهُ مِن كُلِّ خَيرٍ، ومِن كُلِّ ثَوابٍ. والعَرَبُ تُطلِقُ النِّسيانَ على التَّركِ عَمدًا، ومِنه قَولُه: نَسِيَهُمْ أي: اللهُ، تَرَكَهم مِن كُلِّ خَيرٍ، ومِن كُلِّ ثَوابٍ. واللهُ (جَلَّ وعَلا) يَستَحيلُ في حَقِّه النِّسيانُ الذي هو ذَهابُ الشَّيءِ عنِ العِلمِ، فمَعنى نَسِيَهُمْ: تَرَكَهم عَمدًا وإرادةً؛ لأنَّ اللَّهَ -جَلَّ وعَلا- لا يَنسى، كما قال تعالى: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [طه: 52] ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64] .

انظر أيضا:

  1. (1) ((البحر المحيط)) (5/44).
  2. (2) يُنظر: ((المهذب) لعبد الكريم النملة (3/1211، 1212).
  3. (3) أخرجه البخاري (6104)، ومسلم (60) واللَّفظُ له من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما.
  4. (4) أخرجه مسلم (510) من حديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه.
  5. (5) أخرجه مسلم (105) من حديثِ حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنه.
  6. (6) يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/ 435).
  7. (7) يُنظر: ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (5/ 622).