موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسُ: تَطبيقاتٌ فِقهيَّةٌ


نَظَرًا لاختِلافِ العُلماءِ في حُجِّيَّةِ قَولِ الصَّحابيِّ وقَعَ خِلافٌ في بَعضِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ التي ليس فيها دَليلٌ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، ومِن هذه الفُروعِ:
1- بَيعُ العِينةِ:
وهيَ ما إذا اشتَرى شَخصٌ سِلعةً إلى أجَلٍ ثُمَّ باعَها بأقَلَّ مِمَّا اشتَراها قَبلَ نَقدِ الثَّمَنِ؛ فإنَّه صحيحٌ عِندَ الشَّافِعيِّ ؛ طَردًا للقياسِ .
وعِند أبي حَنيفةَ ، ومالِكٍ : لا يَصِحُّ، بدَليلِ أثَرِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ؛ حَيثُ أُخبِرَت أنَّ زَيدَ بنَ أرقَمَ ابتاعَ عبدًا مِنِ امرَأةٍ بألفِ دِرهَمٍ إلى أجَلٍ، ثُمَّ ابتاعَته مِنه بخَمسِمِائةٍ حالَّةٍ، فقالت: بِئسَما بِعتَ وبِئسَما اشتَرَيتَ! أخبِري زَيدًا أنَّه أبطَل جِهادَه مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا أن يَتوبَ .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه سُئِل عن رَجُلٍ باعَ مِن رَجُلٍ حَريرةً بمِئةٍ، ثُمَّ اشتَراها بخَمسينَ، فقال: (دَراهمُ بدَراهمَ مُتَفاضِلةٍ دَخَلت بَينُهما حَريرةٌ) ، فقَدَّما قَولَ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها على القياسِ عَمَلًا بقَولِ الصَّحابيِّ .
2- حُكمُ مَن تَزَوَّجَ امرَأةً في عِدَّتِها:
اختَلف الفُقَهاءُ فيمَن تَزَوَّجَ امرَأةً في عِدَّتِها ودَخَلَ بها، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُفرَّقُ بَينَهما، ولا تَحِلُّ له أبَدًا. وهو قَولُ مالِكٍ ، والشَّافِعيِّ في القديمِ ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ .
القَولُ الثَّاني: يُفرَّقُ بَينَهما، وإذا انقَضَتِ العُدَّةُ بَينَهما فلا بَأسَ في تَزويجِه إيَّاها مَرَّةً ثانيةً. وهو قَولُ الشَّافِعيِّ في الجَديدِ ، وإليه ذَهَب الحَنَفيَّةُ ، والحَنابِلةُ .
فمَن ذَهَبَ إلى أنَّه يُفرَّقُ بَينَهما ولا تَحِلُّ له أبَدًا بَناه على قَولِ الصَّحابيِّ.
قال ابنُ رُشدٍ: (سَبَبُ اختِلافِهم: هَل قَولُ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ أم ليس بحُجَّةٍ؟
وذلك أنَّ مالِكًا رَوى عن ابنِ شِهابٍ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وسُلَيمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فرَّقَ بَينَ طُلَيحةَ الأَسَديَّةِ وبَينَ زَوجِها راشِدٍ الثَّقَفيِّ لمَّا تَزَوَّجَها في العِدَّةِ مِن زَوجِ ثانٍ، وقال: "أيُّما امرَأةٍ نُكِحت في عِدَّتِها، فإن كان زَوجُها الذي تزَوَّجها لم يَدخُلْ بها فُرِّقَ بَينَهما، ثُمَّ اعتَدَّت بَقيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الأوَّلِ، ثُمَّ كان الآخَرُ خاطِبًا مِنَ الخُطَّابِ، وإن كان دَخَل بها فُرِّقَ بَينَهما، ثُمَّ اعتَدَّت بَقيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الأوَّلِ، ثُمَّ اعتَدَّت مِنَ الآخَرِ، ثُمَّ لا يَجتَمِعانِ أبَدًا") .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((الأم)) (3/38).
  2. (2) يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/287).
  3. (3) يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (2/506)، ((العناية)) للبابرتي (6/433).
  4. (4) يُنظر: ((المدونة)) (3/160، 161).
  5. (5)   أخرجه مِن طُرُقٍ: الدارقطني (3/478)، والبيهقي (10899) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البَيهَقيِّ: عن أبى إسحاقَ قال: دَخَلتِ امرَأتي على عائِشةَ وأُمِّ ولدٍ لزَيدِ بنِ أرقَمَ، فقالت لها أُمُّ ولدِ زَيدٍ: إنِّي بِعتُ مِن زَيدٍ عبدًا بثمانمائةٍ نَسيئةً، واشتَرَيتُه مِنه بسِتِّمائةٍ نَقدًا، فقالت عائِشةُ رَضِيَ الله عنها: أبلِغي زَيدًا أنْ قد أبطَلتَ جِهادَك مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلَّا أن تَتوبَ، بئسَما شَرَيتَ وبئسَما اشتَرَيتَ! قال ابنُ حَزمٍ في ((المُحَلَّى)) (7/29): لا يَصِحُّ، وقال البَيهَقيُّ: فيه إرسالٌ، وقال ابنُ كثير في ((التفسير)) (1/490): إسنادُه إلى عائِشةَ ضَعيفٌ.
  6. (6) يُنظر: ((الأصل)) لمحمد بن الحسن (2/506)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 180).
  7. (7)   أخرجه ابنُ أبي شيبة (20527)، وابن حزم في ((المحلى)) (9/106) مُختَصَرًا، ولفظُ ابنِ أبي شَيبةَ: عن ابنِ عَونٍ، قال: ذَكَروا عِندَ مُحَمَّدٍ العِينةَ، فقال: نُبِّئتُ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ كان يَقولُ: دِرهَمٌ بدِرهَمٍ وبَينَهما حَريرةٌ.
  8. (8) يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص:180- 182).
  9. (9)   يُنظر: ((المدونة الكبرى)) (2/23).
  10. (10)   يُنظر: ((البيان في مذهب الشافعي)) للعمراني (11/101).
  11. (11)   يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (5/28).
  12. (12)   يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (3/70).
  13. (13)   يُنظر: ((البيان في مذهب الشافعي)) للعمراني (11/101).
  14. (14)   يُنظر: ((الحجة على أهل المدينة)) للشيباني (3/186).
  15. (15)   يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (11/239)، ((الكافي)) لابن قدامة (5/28).
  16. (16)   ((بداية المجتهد)) (3/70).