موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الأوَّلُ: إذا قال الصَّحابيُّ قَولًا في مَسألةٍ لا مَجالَ للرَّأيِ والاجتِهادِ فيها


قد يقُولُ الصَّحابيُّ قَولًا في مَسألةٍ لا مَجالَ للرَّأيِ والاجتِهادِ فيها وذلك كقَولِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما فيمَن نَذَرَ ذَبحَ وَلَدِه: يَذبَحُ شاةً .
فهذا له حُكمُ المَرفوعِ كما تَقَرَّرَ في عِلمِ الحَديثِ ، فيُقدَّمُ على القياسِ، ويُخَصُّ به النَّصُّ، إن لم يُعرَفِ الصَّحابيُّ بالأخذِ مِنَ الإسرائيليَّاتِ، وهو اختيارُ الأسمَنديِّ ، والرَّازيِّ ، وغَيرِهما.
وذلك لأنَّ حُسنَ الظَّنِّ بالصَّحابيِّ أنَّه لا يَتَكَلَّمُ في الدِّينِ بكَلامٍ جُزافٍ، بَل ثَبَتَ عِندَه بطَريقِ الاجتِهادِ أوِ السَّماعِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أثنى عليهم بقَولِه تعالى: رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] ، وقَولِه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] ، فإذا قال قَولًا لا مَجالَ للاجتِهادِ فيه فلا بُدَّ إذَنْ أن يَكونَ سَمِعَه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
ولكِنَّ الأئِمَّةَ يَختَلفونَ في مَدى الاحتِجاجِ به قِلَّةً وكَثرةً؛ لعَدَمِ الاتِّفاقِ على ضابطٍ مُعَيَّنٍ يُحَدِّدُ ما لا مَجالَ للرَّأيِ فيه؛ فقد يَرى بَعضُهم أنَّ هذه المَسألةَ مِمَّا لا مَجالَ للرَّأيِ فيها، فيَعمَلُ بقَولِ الصَّحابيِّ فيها، ويَرى الآخَرُ أنَّها مِمَّا يَدخُلُه الاجتِهادُ، فلا يَعمَلُ بقَولِ الصَّحابيِّ فيها .
وقيل: ليس له حُكمُ المَرفوعِ، وهو اختيارُ السَّمعانيِّ ، وأبي الخَطَّابِ الكَلْوَذانيِّ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (3/194)، ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص:185).
  2. (2)  أخرجه عبد الرزاق (15905)، والطبراني (11/354) (11995)، ولفظُه: عن عِكرِمةَ -أحسَبُه- عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: مَن نَذَرَ أن يَنحَرَ نَفسَه أو ولدَه فليَذبَحْ كَبشًا. قال الهيثميُّ في ((مجمع الزوائد)) (4/193): رِجالُه رِجالُ الصَّحيحِ.
  3. (3) قال الكورانيُّ في شَرحِه على جَمعِ الجَوامِعِ: (قال المُصَنِّفُ -ناقِلًا عن والِدِه-: حُجَّةٌ في التَّعَبُّديِّ الذي ليسَ للقياسِ فيه مَجالٌ؛ لِما رُويَ أنَّ عليًّا رَضِيَ الله عنه صَلَّى في ليلةٍ سِتَّ رَكَعاتٍ كُلَّ رَكعةٍ فيها سِتُّ سَجَداتٍ، قال الشَّافِعيُّ: لو صَحَّ عن عليٍّ أنَّه فعَل لقُلتُ به. وهذا في الحَقيقةِ ليسَ مَحَلَّ النِّزاعِ؛ لأنَّ الكَلامَ فيما يَقولُه الصَّحابيُّ برَأيِه، وما لا مَجالَ للرَّأيِ فيه، هو في المَعنى حَديثٌ مَرفوعٌ). ((الدرر اللوامع)) (4/33).
  4. (4) قال السَّخاويُّ وهو يُعَلِّقُ على حَديثِ سَلَمةَ بنِ كُهَيلٍ، عن مُصعَبِ بنِ سَعدٍ، عن أبيه، قال: "المُسلِمُ يُطبَعُ على كُلِّ طَبيعةٍ غَيرِ الخيانةِ والكَذِبِ": (فهو مِمَّا يُحكَمُ له بالرَّفعِ على الصَّحيحِ؛ لكَونِه مِمَّا لا مَجالَ للرَّأيِ فيهـ). ((المقاصد الحسنة)) (ص:503). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/464)، ((عمدة القاري)) للعيني (4/51).
  5. (5) يُنظر: ((بذل النظر)) (ص:481).
  6. (6) يُنظر: ((المحصول)) (4/448).
  7. (7) يُنظر: ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (2/174)، ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/389)، ((التمهيد)) للكلوذاني (3/195)، ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص:185).
  8. (8) يُنظر: ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص:185).
  9. (9) يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (1/389).
  10. (10) يُنظر: ((التمهيد)) (3/195).