الفَرعُ الأوَّلُ: القياسُ في العُقوباتِ
المُرادُ بالعُقوباتِ: الحُدودُ والكَفَّاراتُ
.
مِثلُ: قياسُ النَّبَّاشِ
على السَّارِقِ، واللَّائِطِ على الزَّاني
.
حُكمُ إجراءِ القياسِ في العُقوباتِ:يَجوزُ إجراءُ القياسِ في العُقوباتِ مِن الحُدودِ والكَفَّاراتِ التي لا نَصَّ فيها ولا إجماعَ، فإذا عُقِل المَعنى وجَبَ فيه الحُكمُ بالقياسِ. وهو مَذهَبُ: مالِكٍ
، والشَّافِعيِّ
، وأحمَدَ
. وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ
، والشَّافِعيَّةِ
، والحَنابلةِ
، وعَزاه الأصفهانيُّ لأكثَرِ الأُصوليِّينَ
، وحَكاه الصَّنعانيُّ عن الجُمهورِ
.
الأدِلَّةُ على جَوازِ القياسِ في العُقوباتِ:1- عُمومُ الأدِلَّةِ السَّابقةِ في حُجِّيَّةِ القياسِ؛ فهيَ تَدُلُّ على جَوازِ القياسِ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مُطلقًا مِن غَيرِ فَصلٍ بَينَ بابٍ وبابٍ؛ فالتَّخصيصُ ببابٍ دونَ بابٍ مُخالفٌ لإطلاقِ تلك الأدِلَّةِ، فكان باطِلًا
.
ومِن هذه العُموماتِ: قَولُ اللهِ تعالى:
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر: 2] . فأمَرَ بالاعتِبارِ عُمومًا، ولم يُفرِّقْ بَينَ الأحكامِ في الحُدودِ والكَفَّاراتِ وغَيرِها، فهو على عُمومِه في جَميعِها حتَّى يَقومَ دَليلٌ يَمنَعُ مِنه، ولم يَقُمْ دَليلٌ يمنَعُ مِنه؛ فهو جائِزٌ
.
2- إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّهم أجمَعوا على إلحاقِ شارِبِ الخَمرِ بالقاذِفِ، وهذا قياسٌ في الحُدودِ، ولا شَكَّ في أنَّه قياسٌ؛ إذ ليسَ هو مِن قَبيلِ الاجتِهادِ في النَّصِّ، والبَراءةِ الأصليَّةِ، ولا هو إجماعٌ، فهو إذَن قياسٌ؛ فكان ذلك إجماعًا مِنهم على جَوازِ القياسِ في الحُدودِ
.
3- أنَّ العُقوباتِ تَثبُتُ بخَبَرِ الواحِدِ، وما جازَ إثباتُه بخَبَرِ الواحِدِ جاز إثباتُه بالقياسِ كذلك؛ لأنَّ القياسَ بمَنزِلةِ خَبَرِ الواحِدِ، بدَليلِ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهما يَثبُتُ بالاستِدلالِ، ولأنَّ ما جازَ أن يَثبُتَ به غَيرُ هذه الأحكامِ جازَ أن يَثبُتَ به هذه الأحكامُ
.
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ للمَسألةِ:يَتَخَرَّجُ على هذه المَسألةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، ومِنها:
1- إيجابُ قَطعِ يَدِ النَّشَّالِ والطَّرَّارِ، وهو مَن يَقطَعُ الجَيبَ ليَأخُذَ ما فيه، فتُقطَعُ يَدُه قياسًا على السَّارِقِ، والجامِعُ بَينَهما: أخذُ مالِ غَيرِه خُفيةً
.
2- إيجابُ قَطعِ يَدِ النَّبَّاش، وهو مَن يَنبُشُ القَبرَ ليَأخُذَ ما فيه مِن الأكفانِ؛ فإنَّه تُقطَعُ يَدُه قياسًا على السَّارِقِ، والجامِعُ بَينَهما أخذُ مالِ غَيرِه خُفيةً مِن حِرزِه
.
3- إيجابُ الكَفَّارةِ على قاتِلِ النَّفسِ عَمدًا قياسًا على القاتِلِ خَطأً؛ لأنَّها وجَبَت في قَتلِ الخَطَأِ، ففي العَمدِ أَولى؛ لأنَّه أكبَرُ جُرمًا، وحاجَتُه إلى تَكفيرِ الذَّنبِ أشَدُّ
.
وقيل: لا يَجوزُ القياسُ في الحُدودِ والكَفَّاراتِ. حَكاه الكَرخيُّ عن أبي حَنيفةَ
، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ
، ووجهٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ
.