موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الخامِسَ عَشَرَ: الزَّمَنُ المُعتَبَرُ في الإجماعِ


اختَلف الأُصوليُّونَ في الزَّمَنِ المُعتَبَرِ لتَحَقُّقِ الإجماعِ، بمَعنى: هَل يَلزَمُ انقِراضُ العَصرِ الذي حَصَل فيه الاتِّفاقُ حتَّى يَستَقِرَّ الاتِّفاقُ ويَكونَ إجماعًا، أو يَحصُلُ الإجماعُ بمُجَرَّدِ الاتِّفاقِ دونَ حاجةٍ إلى انقِراضِ العَصرِ؟
والرَّاجِحُ: هو حُصولُ الإجماعِ بمُجَرَّدِ الاتِّفاقِ دونَ اشتِراطِ انقِراضِ العَصرِ، فإذا أجمَعَ مُجتَهِدو العَصرِ على حُكمِ حادِثةٍ ومَضَت مُدَّةُ التَّأمُّلِ، انعَقدَ الإجماعُ، ولا يَحِلُّ لأحَدٍ خَرقُه، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، وصَحَّحه الجَصَّاصُ ، والمالكيَّةُ، واختارَه القَرافيُّ ، وابنُ الحاجِبِ ، وبَعضُ الشَّافِعيَّةِ، ومِنهم إمامُ الحَرَمَينِ ، والشِّيرازيُّ ، والسَّمعانيُّ ، ومَذهَبُ آخَرينَ .
وذلك للآتي:
1- أنَّ الأدِلَّةَ الدَّالَّةَ على حُجِّيَّةِ الإجماعِ مِن القُرآنِ والسُّنَّةِ لم توجِبْ في حُصولِ الإجماعِ سِوى وُجودِ الاتِّفاقِ؛ فاشتِراطُ الانقِراضِ زيادةٌ لا دَليلَ عليها .
2- أنَّ اتِّفاقَ المُجمِعينَ لم يَتَحَقَّقْ بَعدَ انقِراضِهم، إنَّما تَحَقَّق اتِّفاقُهم بإجماعِهم في حَياتِهم؛ فوجَبَ أن يَثبُتَ لهذا الاتِّفاقِ الحُجِّيَّةُ وقتَ ثُبوتِه في حَياتِهم، ولا يَضُرُّ خَوفُ رُجوعِ أحَدِهم كما لا يَضُرُّ مُخالفةُ بَعضِ أهلِ العَصرِ الثَّاني لهم .
3- أنَّ التَّابعينَ كانوا يَستَدِلُّونَ بإجماعِ الصَّحابةِ أثناءَ حَياةِ بَعضِ الصَّحابةِ كما كانوا يَستَدِلُّونَ به بَعدَما تَفانَوا، ولولا حُجِّيَّتُه ما استَدَلُّوا به أثناءَ حَياتِهم .
4- أنَّ اشتِراطَ انقِراضِ العَصرِ يَجعَلُ الإجماعَ مُتَعَذِّرًا؛ إذ ما مِن عَصرٍ مِن العُصورِ إلَّا ويَبلُغُ فيه بَعضُ أهلِ العَصرِ الثَّاني رُتبةَ الاجتِهادِ أثناءَ أهلِ العَصرِ الأوَّلِ، كما بَلغَ بَعضُ التَّابعينَ رُتبةَ الاجتِهادِ أثناءَ وُجودِ بَعضِ مُجتَهِدي الصَّحابةِ، فلو اشتَرَطنا الانقِراضَ فقد صارَ مَن بَلغَ رُتبةَ الاجتِهادِ مِن أهلِ الإجماعِ، فيَجِبُ انقِراضُه أيضًا، ويَتَسَلسَلُ الأمرُ حتَّى قيامِ السَّاعةِ أو وُجودِ عَلاماتِها بأن لم يَبقَ عالمٌ؛ فلا يَسلَمُ الإجماعُ قَطُّ، وذلك يُفضي إلى نَفيِ الإجماعِ .
وقيل: يُشتَرَطُ انقِراضُ العَصرِ حتَّى يَنعَقِدَ الإجماعُ، وهو اختيارُ أبي يَعلى ، وابنِ عَقيلٍ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُقصَدُ بانقِراضِ العَصرِ: مَوتُ جَميعِ مَن هو من أهلِ الاجتِهادِ في وقتِ وُقوعِ الحادِثةِ والإجماعِ عليها. يُنظر: ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص:500).
  2. (2) يُنظر: ((فواتح الرحموت)) للأنصاري (2/ 274).
  3. (3) يُنظر: ((الفصول)) (3/ 307).
  4. (4) يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 330).
  5. (5) يُنظر: ((الردود والنقود)) (1/ 563).
  6. (6) يُنظر: ((التلخيص)) (3/68).
  7. (7) يُنظر: ((شرح اللمع)) (2/ 698- 699)، ((التبصرة)) (ص:375).
  8. (8) يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (2/16).
  9. (9) قال الآمِديُّ: (اختَلفوا في انقِراضِ العَصرِ، هَل هو شَرطٌ في انعِقادِ الإجماعِ أو لا؟ فذَهَب أكثَرُ أصحابِ الشَّافِعيِّ، وأبي حَنيفةَ والأشاعِرةِ والمُعتَزِلةِ إلى أنَّه ليسَ بشَرطٍ). ((الإحكام)) (1/256).
  10. (10) يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (3/307)، ((التلخيص)) للجويني (3/71)، ((التمهيد)) للكلوذاني (3/348)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/419)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:330).
  11. (11) يُنظر: ((التلخيص)) للجويني (3/71، 72)، ((المستصفى)) للغزالي (ص:152).
  12. (12) يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (3/307، 308)، ((التلخيص)) للجويني (3/72)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/419).
  13. (13) يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (3/310)، ((التلخيص)) للجويني (3/72، 73)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/419)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:330).
  14. (14) يُنظر: ((العدة)) (4/1095).
  15. (15) يُنظر: ((الواضح)) (5/142).