تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
يُعمَلُ بخَبَرِ الآحادِ فيما تَعُمُّ به البَلوى خلافًا لمَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ خَبرِ الواحِدِ فيمَا تَعُمُّ بهِ البَلْوَى كَمَا سَيَأتِي، فإذا ورَدَ الخبرُ في عَمَلٍ تَمَسُّ إليه الحاجةُ في عُمومِ الأحوالِ فإنَّه مَقبولٌ ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ : المالكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابلةِ ، واختارَه ابنُ حَزمٍ ، والسَّمعانيُّ ، والقاضي عَبدُ الوهَّابِ . مِثالُه : قَولُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((إذا التَقى الختانانِ فقد وجَبَ الغُسلُ)) . وخَبرُ أبي موسى الأشعَريِّ في الاستِئذانِ: ((الاستِئذانُ ثَلاثٌ؛ فإن أُذِنَ لك فادخُلْ، وإلَّا فارجِعْ)) . ومِثلُ خَبَرِ أبي هرَيرةَ في غَسلِ اليَدَينِ عِندَ القيامِ مِن نَومِ اللَّيلِ فكُلُّها أخبارُ آحادٍ تَعُمُّ بها البَلوى. الأدِلَّةُ: 1- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا[الحجرات: 6] . وَجهُ الدَّلالةِ: مَفهومُ هذا النَّصِّ أنَّ غَيرَ الفاسِقِ خَبَرُه مَقبولٌ عُمومًا ؛ فإنَّه قد خَصَّ التَّثَبُّتَ والتَّبَيُّنَ بالفاسِقِ، فدَلَّ على أنَّ العَدلَ لا يُتَثَبَّتُ مِن خَبَرِه، ولا يُعتَبرُ فيه ذلك ، فمُقتَضاه إذًا الجَزمُ بالعَمَلِ عِندَ عَدَم المُفسِّقِ، سَواءٌ كان فيما تَعُمُّ به البَلوى أم لا . 2- أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم رَجَعوا إلى حَديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها في التِقاءِ الختانَينِ، وهو مِمَّا تَعُمُّ به البَلوى . قال السَّمعانيُّ: (الدَّليلُ المُعتَمَدُ في قَبولِ أخبارِ الآحادِ هو إجماعُ الصَّحابةِ، وقد دَلَّ هذا الدَّليلُ على قَبولِ خَبَرِ الآحادِ أجمَعَ، سَواءٌ كان فيما يَعُمُّ به البَلوى أو في غَيرِ ما يَعُمُّ به البَلوى. ببَيِّنةِ أنَّ الصَّحابةَ اختَلفوا في الأُمورِ العامَّةِ ثُمَّ صاروا فيها إلى أخبارِ الآحادِ، وهذا مِثلُ اختِلافِهم في وُجوبِ الغُسلِ بالتِقاءِ الختانَينِ، وقد صاروا في ذلك إلى خَبَرِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، وقد كان قَبلَ ذلك وُجوبُ الماءِ مِن الماءِ، ثُمَّ إنَّهم اجتَمَعوا عِندَ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، فأرسَل إلى عائِشةَ رَسولًا فانصَرَف الرَّسولُ فأخبَرَهم عنها بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إذا التَقى الختانانِ فقد وجَبَ الغُسلُ) . وقيل: ما تَعُمُّ به البَلوى شَأنُه أن يَكونَ مَعلومًا عِندَ الكافَّةِ؛ لوُجودِ سَبَبِه عِندَهم، فيَحتاجُ كلٌّ مِنهم لمَعرِفةِ حُكمِه، فيَسألُ عنه ويُروى الحَديثُ فيه، فلو كان فيه حُكمٌ لعَلِمَه الكافَّةُ، فحَيثُ لم يَعلَمْه الجُمهورُ دَلَّ ذلك على بُطلانِه . وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، وابنُ خُوَيزِ مَنْدادَ مِن المالكيَّةِ .
(1) والمُرادُ بما تَعُمُّ به البَلوى أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَحتاجُ إلى مَعرِفتِه، أو: ما يَكونُ مُشتَرِكًا غَيرَ خاصٍّ. يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (6/ 258). فمَعنى ما تَعُمُّ به البَلوى هو ما يَحتاجُ إليه أكثَرُ النَّاسِ حاجةً مُتَأكِّدةً مُتَكَرِّرةً. يُنظر: ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص: 116).
(11) أخرجه الترمذي (108)، وابن ماجه (608) واللفظ له، وأحمد (25281). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحهـ)) (1176)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (2/517)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/98)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (608)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (25281).
(12) أخرجه البخاري (6245)، ومسلم (2153) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي موسى الأشعَريِّ وأبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُ مُسلمٍ: ((الاستِئذانُ ثَلاثٌ، فإن أُذِنَ لكَ، وإلَّا فارجِعْ)).
(13) يُنظر: ((الواضح في أصول الفقهـ)) لابن عقيل (4/ 389).
(14) لفظُه: عن أبي هرَيرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا استَيقَظَ أحَدُكُم مِن نَومِه فلا يَغمِسْ يَدَه في الإناءِ حتَّى يَغسِلَها ثَلاثًا؛ فإنَّه لا يَدري أينَ باتَت يَدُهـ)) أخرجه البخاري (162)، ومسلم (278) واللفظ له.